|
| الأعجاز التشريعى | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
نبيل خليل عضو جديد
عدد المساهمات : 91 تاريخ التسجيل : 30/07/2011
| موضوع: الأعجاز التشريعى الأربعاء أغسطس 10, 2011 3:59 pm | |
| تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :أعجاز التشريعى ,,,,,,,,,,,,,
( بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً *)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار القرآن الكريم : (381) - ( بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً*)
(النساء:138).بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل الربع الأخير من سورة "النساء", وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وست وسبعون (176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة "البقرة", والأعراف", و"آل عمران". وقد سميت سورة "النساء" بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء. ويدور المحور الرئيس لسورة "النساء" حول قضايا التشريع لكل من المرأة, والأسرة, والمجتمع, والدولة, وذلك من مثل تشريعات الزواج, والطلاق, والعبادات, والمواريث, والجهاد في سبيل الله. وحسن تربية الأبناء, من أجل إقامة المجتمع المسلم الخالي من المخالفات الشرعية, ومن رواسب الجاهلية القديمة والحديثة. وبالإضافة إلى ذلك تقرر سورة "النساء" وحدانية الخالق- سبحانه وتعالى- التي تؤكد على وحدة رسالة السماء, وعلى الأخوة بين الأنبياء, وبين الناس جميعا. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة "النساء", وما جاء فيها من التشريعات الإسلامية, وركائز العقيدة, والإشارات الكونية, ونركز هنا على لمحة الإعجاز التشريعي في تحريم النفاق, وذم المنافقين, والتأكيد على خطر وجودهم في مجتمع من المجتمعات الإنسانية, لأنهم أخطر على المجتمع الذي يتواجدون فيه من أي انحراف آخر سواء كان هذا الانحراف عقديا أو سلوكيا – على خطورة مثل تلك الانحرافات على المجتمعات الإنسانية بصفة عامة – إذا أرادت أن تحيا حياة سوية. من أوجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة يقول ربنا- تبارك وتعالى- في محكم كتابه : (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً *) (النساء : 138-140).
وتستمر الآيات في سورة "النساء" محذرة من المنافقين ومن أخطارهم على المجتمع حتى يأتي قرار الله- تعالى- حاسما جازما يجعلهم أكثر خطرا على المجتمعات من الكافرين وذلك بقوله- تعالى-: (إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً*) (النساء:145). ومن معاني هذه الآيات الكريمة أن الله- تعالى- يأمر خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- أن ينذر المنافقين بأن لهم عذابا أليما يوم القيامة , لتوليهم لكافرين من دون المؤمنين, فهل يطلبون العزة من هؤلاء الكافرين ؟ والعزة لله- تعالى- وحده يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين, ومن اعتز بالله عز ومن اعتز بغير الله ذل . وقد نزل الله عليكم في القرآن الكريم أنكم إذا سمعتم من المنافقين الاستهزاء والجحود بآيات الله فلا تقعدوا معهم حتى ينتقلوا إلى حديث غيره, فإن لم تفعلوا ذلك شاركتموهم في جريمة الكفر بآيات الله والسخرية منها, وإن عاقبة ذلك وخيمة على كل من الكافرين والمنافقين الذين سيجمعهم الله جميعا قي جهنم. وجاءت الإشارة إلى النفاق والمنافقين بمختلف صياغات الكلمة (إسما وفعلا ومصدرا, وبالإفراد والجمع ) في سبعة وثلاثين (37) موضعا من كتاب الله. و(النفاق) هو فعل المنافق الذي يدخل في الشرع من باب ويخرج عنه من باب آخر, أي يظهر الإسلام وهو يبطن الكفر, ولذلك نبه ربنا- تبارك وتعالى- على خطر النفاق والمنافقين بقوله العزيز : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ *) (التوبة : 67). و(الفاسقون) في هذه الآية الكريمة هم الخارجون عن شرع الله. ومن معاني هذه الآية الكريمة أن المنافقين والمنافقات يتشابهون في أنهم يفعلون من الأمور أقبحها, ويتظاهرون بالصلاح والورع, ويتركون الحق وينأون عنه, ويدعمون الباطل ويساندونه, ويدعون أنهم الأصلح للمجتمع. ويبخلون بأموالهم عن وجوه الخير, وينفقونها في وجوه الشر وجاهة وسمعة. أعرضوا عن خالقهم فأعرض عنهم, وتركهم في ضلالهم لأنهم هم حقا الخارجون عن شرع ربهم. وبالإضافة إلى التملق المزيف لأصحاب الجاه والسلطان, وإلى إظهار المنافق غير ما يبطن, وإلى خداع نفسه وخداع غيره, وتلونه بكل لون, فإن نهاية النفاق دوما إلى بوار . ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضيف إلى صفات المنافقين الخيانة والكذب والغدر والفجور وذلك بقوله الشريف " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان " وقال- صلى الله عليه وسلم- " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان, وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر " (أخرجه كل من البخاري ومسلم). [right] لذلك كان صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبعد الناس عن النفاق والمنافقين, وأحرصهم على ألا يتسلل إلى تصرفاتهم شئ من هذه الصفات الذميمة, فعن ابن أبي مليكة- رحمه الله- أنه قال "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه ". ويذكر عن الحسن البصري- رضي الله عنه- قوله عن النفاق : "ما خافه إلا مؤمن, ولا أمنه إلا منافق". والنفاق يدمر الروابط في المجتمع, وينشر فيه كلا من الخداع, والمراوغة, والتلبيس, والغش, والكذب, حتى تنعدم الثقة بين الناس, وتسود علاقاتهم الحذر والحيطة والشك في كل أمر, والخداع والريبة في كل صلة. ومن صفات المنافق قساوة القلب, وجمود العين, والإصرار على الذنب, والحرص على الدنيا. فكل من الخيانة, والكذب, والغدر, والفجور هي من صفات المنافقين , وإذا اجتمعت هذه الصفات الذميمة في فرد واحد كان منافقا خالصا كما وصفه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وهذه الصفات القبيحة تعبر عن انحطاط في أخلاق من يحملها, لأنه لا يمكن أن يؤتمن على شئ من تعود على خيانة الأمانة , ولا يمكن لمن تعود على الكذب أن يصدقه الناس, ولا يمكن لغادر أن يحفظ العهد, ولا يمكن لفاجر إلا أن يرمي خصومه بالافتراءات الكاذبة وبالتهم الباطلة, وإنسان هذا شأنه لا يمكن أن يكون لبنة صالحة في مجتمع سليم, بل هو خارج على قوانين المجتمع وأمنه, وخارج عن فطرته السوية التي فطره الله- تعالى- عليها , لأنه كي يحقق مآربه الشيطانية فلا بد وأن يظهرغير ما يبطن, وأن يدعي الصدق وهو يعلم أنه كاذب, ويتظاهر بالأمانة ثم يخون, ويدعي المحافظة على العهد وهو يخطط للغدر به. والمنافق إذا لم يراجع نفسه, وإذا لم يردها عن غيها باستمرار غلب عليه النفاق حتى في معاملته مع ربه مما يؤدي إلى انتزاع الإيمان من قلبه, وتركه ليمتلئ بالنفاق حتى يلقى ربه وهو- تعالى- غاضب عليه, وفي ذلك يقول الحق- تبارك وتعالى-: ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (التوبة 75-77) والمنافقون في كل زمان ومكان همهم الأكبر الحصول على أكبر قدر من المكاسب المادية بأي ثمن دون تحري الحلال من الحرام, حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين وحساب المصالح العامة والأخلاق والقيم وعلى حساب كرامتهم الشخصية, فيعيشون كالعبيد الذين لا يملكون من أمرهم شيئا , ولا يحركهم إلى مطامعهم إلا شهواتهم الدنيئة. ومن أبشع صور النفاق ما يعرف باسم النفاق السياسي الذي يتبعه المتسلقون الوصوليون أصحاب الشهوات المفتوحة على المال والسلطة, فيستخدمون النفاق في مجاملة الحكام وتملقهم, وتزيين أعمالهم الخاطئة, في أنظارهم وأنظار الغير وإظهارها بغير مظهرها الحقيقي فيخدعوهم ويخدعوا المجتمع كله ويخدعوا أنفسهم , وذلك من أجل بعض المكاسب الشخصية , ورحم الله أمير الشعراء شوقي الذي قال: يولد السيد المتوج غضا * طهرته في مهده النعماء فإذا ما المملقون تولوه * تولت طباعه الخيلاء | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:03 am | |
| (378) - ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما * ) (النساء:93).بقلم
الأستاذ الدكتور / زغلول راغب النجار هذه الآية الكريمة جاءت في بدايات النصف الثاني من سورة "النساء", وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وست وسبعون (176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم, وقد سميت بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالنساء, ولذلك تعرف باسم "سورة النساء الكبرى", تمييزا لها عن سورة "الطلاق" التي تعرف باسم "سورة النساء الصغرى". ويدور المحور الرئيسي لسورة "النساء حول قضايا التشريع لكل من المرأة, والأسرة, والمجتمع, والدولة, وذلك من مثل قضايا الزواج, والطلاق, والمواريث, والعبادات, والجهاد في سبيل الله . كذلك نبهت سورة "النساء" إلى ضرورة حسن تربية الفرد المسلم وذلك من أجل بناء كل من الأسرة المسلمة, والمجتمع المسلم, وتطهيرهما من المخالفات الشرعية, ومن رواسب الجاهلية القديمة والجديدة . هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة "النساء", وما جاء فيها من التشريعات الإسلامية, وركائزالعقيدة, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في تحريم القتل- بصفة عامة- وتحريم قيل المؤمن لأخيه المؤمن متعمدا- بصفة خاصة- . وقد أدى ذلك التحريم بالمؤمنين الأوائل أن الفرد منهم كان يرى قاتل أبيه أو أخيه أو ولده قبل أن يسلم, كان يراه يمشي على الأرض أمامه وقد دخل في الإسلام فلا يفكر في أي أذى يصيبه, رغم مرارة الفراق, وقسوة قتل الأحباب, وذلك انطلاقا بتحريم الإسلام العظيم قتل المؤمن لأخيه المؤمن . من أوجه الإعجاز التشريعي في تحريم قتل المؤمن لأخيه المؤمن يقول ربنا- تبارك وتعالى- في محكم كتابه : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّه وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً *) (النساء: 92و93). ومن معاني هاتين الآيتين الكريمتين أن سفك دم المؤمن عمدا بدون هق هو من الكبائر التي توجب الخلود في النار وعليه فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يقتل مؤمنا أبدا بغير حق, إلا إذا وقع ذلك بالخطأ أي عن غير قصد . فإذا حدث ووقع قتل المؤمن لأخيه المؤمن بطريق الخطأ في مجتمع للمسلمين, فإن الشرع يفرض على القاتل عتق رقبة مؤمنة, كفارة عن حق الله, فمن لم يجد فعليه صيام شهرين قمريين متتابعين توبة إلى الله, ودفع دية مسلمة إلى أهل القتيل تدفعها عاقلته ( أي عصبة أهله من جهة أبيه) إلا إذاعفى أهل القتيل عنه, وأسقطوا الدية باختيارهم, وحينئذ فإن الدية لا تجب عليه, وتبقى عليه الكفارة . وذلك لقول الله- تعالى-: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا....*) (النساء:92). وإذا كان القتيل مؤمنا وأهله من أعداء المسلمين فإن الشرع يفرض على القاتل عتق رقبة مؤمنة, فمن لم يجد فصيام شهرين قمرين متتاليين توبة إلى الله, ولا دية عليه لأهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين, فلا يجوز إعطاؤهم من أموال المسلمين ما يستقوون به عليهم ويستعينون على قتالهم وإيذائهم, ولا مكان هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين . وإذا كان القتيل معاهدا أو ذميا, فإن الشرع يفرض على المؤمن القاتل بالخطأ في هذه الحالة ما يفرضه في قتل المؤمن في المجتمع المسلم :عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين قمرين متتاليين, ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يعفوا . ولم تنص الآية الكريمة في هذه الحالة على كون المقتول مؤمنا مما جعل عددا من المفسرين بأخذون النص على إطلاقه, باعتبار أن العهد بين المؤمنين وغير المؤمنين يجعل الدماء بينهم مصونة, ولكن لما كانت الآية من مطلعها تنصب على تحريم قتل المؤمن بغير حق, ثم بينت الحالات التي يكون القتيل فيها مؤمنا, ومن هنا فقد رأى بعض المفسرين أن القتيل المعاهد أو الذمي إذا لم يكن مؤمنا يكتفى في هذه الحالة بدفع الدية إلى أهله كما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في دفع الدية لبعض قتلى المعاهدين دون عتق رقاب بعددهم . ثم شرع الله- سبحانه وتعالى- لمن يقتل مؤمنا متعمدا الخلود في نار جهنم, واستحقاق غضب الله ولعنته, والعذاب الشديد الذي توعده به وأعده له يوم القيامة . والإسلام العظيم حرم قتل النفس بغير الحق بصفة عامة, وذلك صونا للأنفس عن الإهدار, فإن للدماء حرمتها, فلا يستباح إلا بالحق وبالأمر البين الذي لا إشكال فيه , وذلك لأن الله- تعالى- هو واهب الحياة, ولا يجوز أن ينهيها غبره إلا بإذنه, فإذا أقدم إنسان على قتل أنسان آخر بغير حق فكأنما قد اعتدى على حق من حقوق الله, ولذلك قال- تعالى- في ولدي آدم : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ*) (المائدة:30). (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ *) (المائدة : 32 ). وقال -عز من قائل- : ( وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً ) (الإسراء:33). وفي ذلك قال رسول الله الله – صلى الله عليه وسلم - : " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن" (البيهقي, الترمذي) وقال - عليه الصلاة والسلام – " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله " وذلك أفتى ابن عباس- عليهما رضوان الله- بعدم قبول توبة قاتل المؤمن عمدا , بينما ذهب جمهور العلماء إلى أن توبة القاتل عمدا يمكن أن تقبل, واستدلوا على ذلك بأن الكفر أعظم من القتل العمد, وتوبة الكافر قد تقبل, والخلود في جهنم لقاتل المؤمن عمدا هو مشروع لمن استحل قتله, وقد يكون المقصود بالخلود هنا طول المكث لقول الله- تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً*) (النساء : 48 ). {والقتل إما عمدا أو شبه عمد أو خطأ, أما العمد فهو القصد إلى القتل بما يفضي إلى الموت, وهذا ما يوجب القصاص والحرمان من الميراث, وتحمل غضب الله ولعنه والخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عظيم في الآخرة كذلك لقول ربنا- تبارك وتعالى-
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*) ( البقرة:178,179). | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:04 am | |
| (376) - (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*) (المدثر:1-4).بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار هذه الآيات الأربع جاءت في مطلع سورة "المدثر", وهي سورة مكية, وآياتها ست وخمسون (56) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم الذي كنى به الله- سبحانه وتعالى- خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- الذي كان قد عاد إلى بيته مرتعدا خائفا مما فاجأه به جبريل- عليه السلام- من الوحي في أول مرة, وهو وحيد في غار حراء, فعاد مسرعا إلى بيته, وعندما دخله قال لزوجه أم المؤمنين السيدة خديجة- عليها رضوان الله- "دثروني دثروني", فنزلت هذه السورة المباركة التي يدور محورها حول تكليف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالنهوض بأعباء الدعوة الإسلامية, ومنها تحذير الناس من عذاب الآخرة إن لم يؤمنوا بربهم, وإن لم يعبدوه وحده دون سواه, وإن لم يعظموه وينزهوه فوق جميع صفات خلقه, وفوق كل وصف لا يليق بجلاله. وتأمر الآيات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بضرورة تطهير ثيابه, وبالبعد عن كل ما يوصل إلى غضب الله, وبألا يستكثر ما يعطيه للناس من مكرمات, وأن يصبر على تنفيذ أوامر ربه قدر الطاقة . ثم تنتقل الآيات بالحديث عن هذا الشقي الكافر المعروف باسم "الوليد بن المغيرة" الذي هزه سماع القرآن الكريم إلى حد الاعتراف بأنه يعلو ولا يعلى عليه, وأنه لا يمكن أن يكون بقول بشر, غير أن حبه للزعامة في قومه دفعه إلى إنكار اعترافه هذا بعد فترة وجيزة, وإلى الكذب على كتاب الله بقوله عنه بأنه من السحر الذي تم نقله عن الأولين, ولذلك جاءت الآيات في هذه السورة المباركة مهددة له على نقض حكمه, ومتوعدة إياه بنار جهنم وعذابها عقابا له على كذبه وتآمرة. كذلك هددت الآيات كافرا آخر هو (أبو جهل عمرو بن هشام) الذي استقل عدد خزنة النار كما ذكره القرآن الكريم, ومضى يسخر من ذلك ويهزأ, فردت عليه الآيات في هذه السورة المباركة التي أوردت القسم بالقمر, وبالليل عند انتهائه, وبالصبح عند قدومه, وانكشاف ظلمة الليل بنوره, على أن جهنم هي إحدى البلايا الخطيرة, وأن لكل من الخلق المكلفين أن يتقدم إليها أو أن يتأخر عنها بعمله. وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد على أن كل نفس مرهونة بعملها في الدنيا, لا تفك من قيدها حتى تؤدي ما عليها من حقوق, (إلا أصحاب اليمين) من عباد الله المؤمنين الذين أعتقوا رقابهم من نار جهنم بالإيمان بالله والالتزام باتباع أوامره, واجتناب نواهيه, فيدخلهم ربهم جنات النعيم . وتعرض الآيات تساؤلاتهم في حوار حي مع هؤلاء المجرمين من الكفار والمشركين من أهل جهنم, والمجرمون يردون عليهم بأنهم لم يكونوا من المصلين, ولم يكونوا يطعمون المسكين,وكانوا يخوضون مع الخائضين, وكانوا يكذبون بيوم الدين حتى أتاهم اليقين. وتختتم السورة الكريمة بقول ربنا- تبارك وتعالى-: ( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ* فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ* بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً* كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ* كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ* مَن شَاءَ ذَكَرَهُ* وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ* ) (المدثر : 49-56) . هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة "المدثر" وما جاء فيها من ركائز العقيدة, وفروض العبادة, والإشارات العلمية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في الأمر بطهارة الثياب, وهو كناية عن طهارة كل من البدن والعقل والقلب, وهي طهارة لازمة لكل مؤمن بالله . من أوجه الإعجاز التشريعي في الآيات الكريمة تبدأ سورة "المدثر" بنداء من الله- تعالى- إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- يأمره بإنذار قومه ثم بإنذار الناس جميعا بحتمية الموت بعد هذه الحياة الدنيا, ثم البعث, والحشر, والحساب والجزاء بالخلود إما في الجنة وإما في النار, ومن ثم إنذار الناس جميعا من مغبة تضييع فرصة العمل بطاعة الله في الدنيا للحصول على النجاح فيها, وعلى النجاة من أهوال الآخرة بفضل من الله وبرحمته . وبعد ذلك توجه الآيات في هذه السورة المباركة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- إلى تكبير الله- تعالى- تكبيرا يؤكد معنى الألوهية ومعنى التوحيد, وهما من ركائز العقيدة الإسلامية, ومن مؤهلات القيام بواجبات الدعوة إلى دين الله, لأن الصعوبات التي تواجه الدعاة إلى الله تتطلب استحضار حقيقة أنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله, وذلك من معاني تكبير الله , الذي جاء الأمر به في هذه السورة المباركة بقول ربنا- تبارك وتعالى - له : ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ). ثم توجه الآيات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بضرورة أن يحرص المؤمن على الطهارة المادية والمعنوية في آن واحد, فتأمره بقول ربنا- تبارك وتعالى- له : (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *), وطهارة الثياب في اللغة العربية كناية عن الطهارة الكاملة : في الثياب والبدن والقلب, والأخلاق والمعاملات والسلوك, لأن الله- تعالى- طيب, ولا يقبل إلا ما كان طيبا, وكل داع إلى دين الله لا بد من أن يحرص على الطهارة الكاملة إذا أراد النجاح في مهمته . و(الطهلرة) في اللغة هي: النظافة, والنزاهة عن مختلف أشكال الأقذار والأوساخ, سواء كانت حسية, أو معنوية, وذلك انطلاقا من رواية ابن عباس- رضي الله - عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل على مريض قال : " لا بأس طهور إن شاء الله" و(الطهور) هو المطهر من الذنوب, وكأنه- صلى الله عليه وسلم- يقول بأن المرض مطهر من الذنوب, وهي أقذار معنوية . ويقابل (الطهارة) في اللغة تعبير (النجاسة) ومعناها : كل شئ مستقذر, حسيا كان أو معنويا, فالآثام نجاسة معنوية ومن ذلك قول الله- تعالى- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا....*) (التوبة:28) . ولفظة (النجاسة) تطلق على كل مستقذر, سواء كان ذلك المستقذر أمرا حسيا, كالدم, والبول, والعذرة, ونحوها مما يسمى باسم (الخبث), أو كان معنويا, كالذنوب والخطايا والآثام ويسمى باسم (الحدث) . والوضوء على الوضوء طهارة تزيل الصغائر من الذنوب (وهي أقذار معنوية) والوضوء عبادة, والغرض من العبادة إنما هو الخضوع بالقلب والجوارح لله- عز وجل- على الوجه الذي يرتضيه من عباده, لأن الأصل في العبادة أنها طاعة لا تعلل, ولها حكمة معقولة, وأسرار واضحة, عرفها من عرفها, وجهلها من جهلها . فالله-تعالى- شرع الوضوء لمنافع عديدة: منها ما هو حسي من مثل تنظيف الأعضاء الظاهرة المعرضة للأقذار من مثل الفم والأنف والوجه واليدين, ومنها ما هو معنوي, وهو الخضوع لأوامر الله- عز وجل-, مما يعين العبد على الامتثال لنواهي ربه. ومن محاسن الشريعة الإسلامية الغسل عقب الجنابة, وفوائده الصحية والنفسية أكثر من أن تحصى أو أن تعد, وإن كانت العبادات في الإسلام واجبة الأداء خالصة لوجه الله الكريم الذي أمر بأدائها, دون أن ينظر المسلم إلى ما يترتب على أدائها من منافع, وإن كانت هي في الحقيقة كلها منافع حسية ومعنوية . والطهارة في الإسلام- بشقيها المادي والمعنوي- تشمل طهارة القلب والعقل, كما تشمل طهارة البدن والثياب, وطهارة المكان والفراش. وتشمل طهارة العقل والقلب حسن الاعتقاد, وذلك بصدق الإيمان بالله- تعالى- ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, كما تشمل تنزيه الله- تعالى- عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله. وكل ما يخالف ذلك من معتقد هو ضرب من ضروب النجاسة الفكرية التي تلوث العقل والقلب معا, وتنعكس على كافة التصورات والأخلاق والمعاملات والسلوك, كما تنعكس على سائر البدن والثياب والمكان والفراش. وتشمل الطهارة المادية كل ما تستباح به الصلاة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة لمختلف أشكال النجاسات. وانطلاقا من ذلك فإن الطهارة شرعا هي صفة اعتبارية قدرها الشارع شرطا لصحة الصلاة (وما في حكمها من عبادات مثل الطواف, ومس المصحف الشريف) كما جعلها شرطا لجواز استخدام الآنية, ولتناول الأطعمة والأشربة . فالشارع - سبحانه وتعالى- اشترط لصحة صلاة المسلم والمسلمة : طهارة كل من البدن والثوب, والمكان؛ واشترط لحل أكل الطعام أو شرب الشراب أن يكون كل منهما موصوفا بالطهارة المشروعة. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:04 am | |
| من أسرار القرآن :(375) (... وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً *). (النساء:43). بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار
هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الربع الأول من سورة "النساء" وهي سورة مدنية وآياتها مائة وست وسبعون (176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة, والأعراف, وآل عمران, وقد سميت بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الاحكام الشرعية التي تتعلق بفقه النساء.هذا وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة, وما جاء فيها من التشريعات, وركائز العقيدة, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في التيمم كما جاء في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال.من أوجه الإعجاز التشريعي في التيمم جاءت الإشارة القرآنية إلى التيمم مرتان في كتاب الله وذلك في سورتي النساء والمائدة على النحو التالي :1- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً *) (النساء : 43) .2- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *) ( المائدة : 6 ).ومعنى لفظة (التيمم) في اللغة العربية هو القصد , و (تيمموا) أي تقصدوا , أو اقصدوا , ومعنى (التيمم) في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص, وذلك بوضع اليدين على التراب الطهور, أو الحجر المغبر, أو نحو ذلك مما يحمل شيئا من غبار التراب. والتيمم مشروع عند فقد الماء, أو العجز عن استعماله بسبب المرض, وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.ومن أدلة مشروعية التيمم من كتاب الله- تعالى- الآيتان رقم (43) من سورة "النساء" , ورقم (6) من سورة "المائدة" , وفد سبقت الإشارة إليهما.ومن أدلة السنة عدد من أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التي منها ما رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم, من حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا معتزلا , لم يصل مع القوم , فقال له :" ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم ؟" فقال : يا رسول الله ! أصابتني جنابة ولا ماء, فقال- صلى الله عليه وسلم- : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك ". أما الإجماع فمستمد من إجماع المسلمين على أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل.ومن الحكمة التشريعية في التيمم أن الله- تعالى- قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة في جميع ما فرض عليهم من عبادات, فمن عجز عن الوضوء أو الغسل لعدم توافر الماء أو بسبب المرض وجب عليه التيمم الذي يقوم به المؤمن امتثالا لأمر الله- تعالى- وطهارة لقلب المتيمم. ويشترط أن يكون التراب الذي يتيمم به طاهرا نظيفا, فإن كان ظاهر القذارة والتلوث فإنه لا يسمح بلمسه فضلا عن التيمم به.والتيمم واجب في العضوين اللذين يجب غسلهما في الوضوء وهما الوجه واليدان , أما الرأس فالواجب فيه المسح في الوضوء, وأما الرجلان فتارة يغسلان في الوضوء وتارة أخرى يمسح عليهما فوق الخف.والتيمم مفروض, لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من الصلاة , ومس المصحف, وغير ذلك, وهو مندوب لصلاة النافلة لأنها مندوبة, وإن كانت لا تصح بدون التيمم.ويشترط لصحة التيمم ما يشترط لصحة كل من الوضوء والغسل ويزاد على ذلك دخول الوقت, فلا يصح التيمم قبله, ومن شروط التيمم كذلك فقد الماء (فإما ألا يجده أصلا, أو يجده بما لا يكفي للطهارة), وعدم وجود حائل على أحد أعضاء التيمم من الجسم.ويقوم كل من المسلم والمسلمة بالتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة بالماء من الصلاة المكتوبة, والنوافل, وصلاة الجمعة, وصلاة العيدين, وصلاة الجنازة, والطواف حول الكعبة, ومس المصحف, وغير ذلك من أمور العبادة التي تستوجب الطهارة.ومن أركان التيمم النية, (وإن رآها بعض القفهاء شرطا للتيمم وليست ركنا من أركانه) والنية تكون بغرض التيمم , أو بأن ينوي استباحة الصلاة أو مس المصحف, أو استباحة غير ذلك مما يشترط فيه الطهارة ويفضل أن ينوي بنية فرض التيمم . ووقت النية عندما يضع يديه على ما يتيمم به , ومن ذلك الصعيد الطهور ( أي الذي لم تمسه نجاسة).ومن أركان التيمم المسح والضربتان على الصعيد الطاهر والمقصود بالمسح هو مسح جميع الوجه, ومسح اليدين مع المرفقين , ويجب أن ينزع كل ما يستر شيئا من اليدين كالخاتم والإساور, فلا يكفي تحريكه في التيمم , بخلاف الوضوء , وإن أجاز البعض مجرد التحريك؛ ومن أركان التيمم عند بعض الفقهاء الترتيب, والموالاة, فالضربة الأولى هي استعمال الصعيد, ونفض اليدين, وتعميم الوجه واليدين إلى الكوعين بالمسح. ويسن في التيمم عند الحنابلة تأخيره إلى آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وجود الماء في الوقت المناسب, أو استوى الأمران عنده, فإن تيمم أول الوقت وصلى, صحت صلاته, ولا إعادة عليه, حتى لو وصل الماء قبل خروج وقت الصلاة.ويندب للتيمم التسمية, والسواك, والصمت إلا عن ذكر الله, واستقبال القبلة, وأن يبدأ بعد الضربة الأولى بمسح الوجه, وبعد الضربة الثانية بمسح ظاهر يمناه ببطن يسراه, وأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى, ثم يمررها إلى المرفق قابضا على الساعد إلى العضد بكف اليسرى, ثم يمسح من طي المرفق إلى آخر الأصابع, ثم يفعل ذلك تماما بيده اليسرى. ومن عجز عن الوضوء أوالتيمم لمرض شديد, أو حبس في مكان لا يوجد به ما يصح التيمم عليه فإنه يجب عليه أن يصلي الفرائض فقط في وقتها, والغرض من ذلك هو إظهار الخضوع لإوامر الله- تعالى- في جميع الأحوال, وتحت مختلف الظروف. ومن الفقهاء من يقول بإعادة هذه الصلاة عند توفر الماء أو الصعيد الطاهر أو الشفاء من المرض, ومنهم من يقول بسقوطها عمن لا يتوفر له وضوء أو تيمم, وذلك انطلاقا من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور".ويكره في التيمم تكرار المسح فوق المرة الواحدة, وتكثير التراب, وكثرة الكلام في غير ذكر الله, وإطالة المسح إلى ما فوق المرفقين, ونواقض الوضوء, وإن كانت لا تبطل الغسل, فإنها تبطل التيمم الواقع عن الغسل, وعليه أن يعيد التيمم. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:05 am | |
| (374) - ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا*) ( النساء : 3 ) بقلم
الدكتور زغلول راغب النجار هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل سورة النساء, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وست وسبعون (176) بعد البسملة, وهي رابع سورة في المصحف الشريف, ورابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة "البقرة", و"الأعراف", و"آل عمران". وقد سميت السورة بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضايا التشريع لكل من المرأة , والأسرة , والبيت, والمجتمع, والدولة, وقضايا العبادات والجهاد في سبيل الله. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة "النساء", وما جاء فيها من التشريعات الإسلامية, وركائز العقيدة, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات إذا كان هناك من الظروف الشخصية أو العامة, والقدرات الخاصة ما يبرر ذلك, وإلا فواحدة أو ما ملكت اليمين, خشية الوقوع في المظالم. الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات الزواج من سنن الفطرة التي شرعها الله- تعالى- إعفافا للإنسان وسكنا للزوجين تسوده المودة والرحمة, وحفاظا على استمرار النسل وعمران الأرض, ووسيلة للتواصل بين العائلات في المجتمع. وقد بلغ من حرص الإسلام على تطبيق سنة الزواج أن جعله كثير من فقهاء المسلمين واجبا يأثم المتثاقل عنه ما دام قادراعلى القيام بتكاليفه المادية والبدنية وذلك انطلاقا من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- " النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني , وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ", ومن قوله- صلوات ربي وسلامه عليه-: " من كان منكم ذا طول فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لا فالصوم له وجاء " . وقد أحاط الإسلام الزواج بكل ما يحفظ عليه استقراره واستمراره, ويحقق القصد منه في مودة وتراحم كاملين , تحقيقا لقوله تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ً*) (الروم:21). والأصل في الزواج هو الإفراد, وذلك بدليل أن الله- تعالى- خلق لأبينا آدم- عليه السلام- زوجة واحدة, وأن نسبة الذكور إلى الإناث في المجتمعات العادية متقاربة جدا, ولكن الإسلام العظيم أباح رخصة التعدد إلى أربع زوجات كحد أقصى في الزمن الواحد إذا اقتضته الضرورة. واشترط على الزوج المعدد العدل بين زوجاته والتسوية بينهن في المبيت والسكن والرزق. وقد استغلت هذه الرخصة وسيلة للتهجم على شرع الله, علما بأن جميع المجتمعات البشرية من قبل كانت قد أباحت التعدد بلا حدود, مما تسبب في كثير من الفوضى والمظالم الاجتماعية, وجاء الإسلام ليضبط ذلك الأمر بمبرراته أولا, وبالعدل ثانيا, وبحد أقصى لا يتجاوز الأربع زوجات في الوقت الواحد, والدليل على ذلك ما يلي : 1)قول ربنا- تبارك وتعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا*) ( النساء : 3 ). 2)على إثر نزول هذه الآية قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأمركل من كان معه أكثر من أربع نساء أن يمسك منهن أربع ويسرح الباقي وفي ذلك روى البخاري- بإسناده- أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم- وتحته عشر نسوة- فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: "اختر منهن أربعا ". 3)كذلك روى أبو داود- بإسناده- أن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمانية نسوة , فذكرت ذلك للنبي فقال: "اختر منهن أربعا ". وعلى ذلك فإن الإسلام جاء ليحدد التعدد بأربع لا ليبيحه بغير حدود كما كان, ووضع قيودا منها القدرة على القيام بأعباء الزوجية والعدل, وإلا فواحدة أو ما ملكت اليمين, وحينئذ تمتنع الرخصة المعطاة. وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير- رضي الله عنه- أنه سأل خالته أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها وأرضاها- عن قوله- تعالى- :(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى...) فقالت : " يا ابن أختي ! هذه اليتيمة تكون في حجر وليها, تشركه في ماله, ويعجبه مالها وجمالها, فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها, فيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن, ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق, وأمروا أن ينكحوا من النساء سواهن" قال عروة: قالت خالتي أم المؤمنين السيدة عائشة : " وإن الناس استفتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية , فأنزل الله- تعالى-: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ...) قالت أم المؤمنين السيدة عائشة: " وقول الله في هذه الآية الأخرى :(... وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ...*) رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال ". وفي التعليق على هذا الحديث لأم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها- ذكر صاحب الظلال-رحمه الله رحمة واسعة- ما نصه: وحديث عائشة- رضي الله عنها- يصور جانبا من التصورات والتقاليد التي كانت سائدة في الجاهلية, ثم بقيت في المجتمع المسلم, حتى جاء القرآن ينهي عنها ويمحوها, بهذه التوجيهات الرفيعة ويكل الأمر إلى الضمائر, وهو يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى...*) فهي مسألة تحرج وتقوى وخوف من الله إذا توقع الولي ألا يعدل مع اليتيمة في حجره, ونص الآية مطلق لا يحدد موضع العدل, فالمطلوب هو العدل في كل صوره وبكل معانيه في هذه الحالة, سواء فيما يختص بالصداق, أو فيما يتعلق بأي اعتبار آخر, كأن ينكحها رغبة في مالها, لا لأن لها في قلبه مودة, ولا لأنه يرغب رغبة نفسية في عشرتها لذاتها, وكأن ينكحها وهناك فارق كبير في السن لا تستقيم معه الحياة , دون مراعاة لرغبتها هي في إبرام هذا النكاح, هذه الرغبة التي قد لا تفصح عنها حياء أو خوفا من ضياع مالها إذا هي خالفت عن إرادته... إلى آخر تلك الملابسات التي يخشى ألا يتحقق فيها العدل ... والقرآن يقيم الضمير حارسا, والتقوى رقيبا, وقد أسلف في الآية السابقة التي رتب عليها هذه التوجيهات كلها قوله: (... إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً *). فعندما لا يكون الأولياء واثقين من قدرتهم على القسط مع اليتيمات اللواتي في حجورهم , فهناك النساء غيرهن, وفي المجال متسع للبعد عن الشبهة والمظنة ". والعدل المطلوب في حالة التعدد هو في المباشرة والمعاشرة والمعاملة والنفقة وفي كل ما يقع تحت طاقة الإنسان وإرادته لتحقيق العدل, أما فيما يتعلق بمشاعر القلوب فذلك خارج عن إرادة الإنسان واستطاعته, وفي ذلك يقول ربنا- تبارك وتعالى-: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيما ً*) ( النساء : 129 ). وتعدد الزوجات بجميع التحفظات التي قررهاالإسلام هو رخصة يقدمها شرع الله في عدد من الحالات الخاصة أو العامة دون أدنى غلو أو تفريط , ومن هذه الحالات ما يلي : (1) إذا ثبت أن الزوجة عاقر , لا يمكن لها أن تحمل وتلد, وللزوج رغبة فطرية في النسل , فله أن يتزوج مع المحافظة على زوجته الأولى إذا قبلت بزواجه الثاني. (2) إذا مرضت الزوجة مرضا مزمنا يطول برؤه أو يستعصي على العلاج فيصبح الزواج الثاني أفضل من الطلاق. (3) إذا كان هناك أسباب صحية أونفسية تحول دون التوافق بين الزوجين مع رغبتهما في الإبقاء على رباط الزوجية. (4) إذا كان الزوجان متقاربان في السن, أو كانت الزوجة أكبر سنا من الزوج, فإن هذا الوضع يحدث فارقا في رغبات كل منهما الفطرية, وذلك لأن فترة الإخصاب عند المرأة تتوقف في أواخر العقد الخامس بينما مستمر في الرجل ألى أواخر العقد السابع أو تتجاوزه. (5) في حالات الحروب يزيد عدد الإناث البالغات زيادة ملحوظة على عدد الذكور البالغين, والحل الوحيد الذي يحافظ على سلامة المجتمع وطهارته من انتشار العلاقات غير المشروعة, وتوابعها النفسية والأخلاقية والاجتماعية المخيفة, هو التعدد, والبديل هو فساد المجتمع, أو إجبارالإناث البالغات على مخالفة الفطرة, وما يتبعها من متاعب نفسية وصحية مدمرة. وفي جميع هذه الحالات يوكل فقهاء الإسلام الأمر بقبول التعدد إلى المرأة, فإن قبلته- على أنه أقل الأضرار- دون أدنى إكراه فبها ونعمت, وإن رفضته (فتسريح بإحسان), وذلك لأن الأمر في موضوع الزواج – ابتداء وتعددا – موكول إلى المرأة, تقبل منه ما ترى فيه راحتها النفسية, وترفض منه ما لا ترى فيه رضاها وقدرتها على التحمل. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:06 am | |
| (372) - ( وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ......*) (البقرة:224) .بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار
هذا النص القرآني الكريم جاء في الربع الأخير من سورة "البقرة", وهي سورة مدنية , وآياتها مئتان وست وثمانون (286) بعد البسملة , وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق , وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة حسية أجراها الله- تعالى- لعبده ونبيه موسى بن عمران -على نبينا وعليه من الله السلام- حين تعرض شخص من قومه للقتل ولم يعرف قاتله , فأوحى الله-سبحانه وتعالى- إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة , وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله , ويخبرهم عن قاتله ثم يموت , حتى يكون في ذلك إحقاقا للحق , وشهادة لله- تعالى- بالقدرة على إحياء الموتى وشهادة كذلك لعبده موسى-عليه السلام- بالنبوة والرسالة. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة "البقرة", وما جاء فيها من ركائز العقيدة, وأسس العبادة , وقواعد الأخلاق, والتشريعات, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في النهي عن كثرة الحلف بالله (سبحانه وتعالى). من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم يقول ربنا- تبارك وتعالى- في محكم كتابه :
( وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ*) (البقرة:224,225). و(العرضة) بضم العين هي المانع , لأن كل ما يعترض فيمنع عن الشئ فهو (عرضة) . ولهذا يقال للسحاب (عارض) لأنه يمنع رؤية الشمس , ويقال: اعترض فلان فلانا أي: منعه من فعل ما يريد (والأيمان) جمع يمين وهو تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله- تعالى- أو صفة من صفاته, أو هو عقد يقوي به الحالف عزمه على الفعل أو الترك وقال-صلى الله عليه وسلم-: " اليمين على نية المستحلف " وفي رواية " يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك " ( أبو داود, الترمذي). في تفسير ذلك قال الجصاص في" أحكام القرآن": لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شئ حقا كان أو باطلا , فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى, وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح. وقال الرازي في تفسيره : " المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به, لأن من أكثر من ذكر شئ فقد جعله عرضة له...." ومن معاني ذلك أيضا: لا تجعلوا الحلف بالله سببا مانعا لكم من أعمال البر والتقوى, وذلك من مثل أن يدعى أحدكم إلى عمل من أعمال البر أو الإصلاح بين الناس, فيقول: قد أقسمت بالله أن لا أفعله, فاليتعلل باليمين. فيا أيها المسلمون لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير, كأن يسأل أحدكم عن المشاركة في أمر من البر أو الخير أو الإصلاح بين الناس, فيقول : لقد حلفت بالله ألا أفعله, وأريد أن أبر بيميني, فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا ما دعيتم إليه من أعمال الخير أو البر أو الإصلاح بين الناس وكفروا عن أيمانكم. وعلى كل الأحوال لا تكثروا من الحلف بالله إجلالا لاسمه الكريم وتعظيما وتشريفا , ولا تجعلوا ذلك إلا في أضيق الحدود, وفي عظائم الأمور, حتى لا تجعلوا من اسم الله-تعالى- هدفا لأيمانكم فيما يستحق وما لا يستحق , لأن المكثر من الحلف (الحلاف) بالله مجترئ على ربه, ولذلك ذم القرآن الكريم المكثرين من الحلف فقال-تعالى- مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- آمرا إياه بقوله العزيز : (وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ *) (القلم : 10) والحكمة في الأمر بالتقليل من حلف الأيمان بالله , أن من حلف في كل أمر عظيم أو حقير باسم الله- تعالى- انطلق لسانه بذلك في كل مناسبة حتى لا يبقى لليمين باسم الله في قلبه وقع ولا خشية , حتى ليقدم مقسما به في كل صغيرة وكبيرة , وهنا قد لا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة حالفا باسم الله كي يصدقه الناس , وذكر الله- تعالى- يجب أن يكون أجل وأعظم في قلب المؤمن من أن يقسم به كاذبا , وشرط اليمين وركنه هو الإسلام , والبلوغ والعقل , والاختيار , وإمكان البر .وفي تفسير قوله-تعالى-: (.... أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ....*) ذكر الشهيد سيد قطب- رحمه الله تعالى- ما نصه : عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال : لا تجعلن عرضة يمينك ألا تصنع الخير , ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. وأضاف- رحمه الله- قوله : ومما يستشهد به لهذا التفسير ما رواه مسلم- بإسناده- عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه , وليفعل الذي هو خير " وما رواه البخاري- بإسناده- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : " والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه ". وعلى هذا يكون من معاني قوله- تعالى- (وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ....*) لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والتقوى والإصلاح بين الناس . فإذا حلفتم ألا تفعلوا وفعلتم , أو أن تفعلوا ولم تفعلوا , فكفروا عن أيمانكم وأتوا بالخير , فتحقيق البر والتقوى والإصلاح بين الناس أولى من مجرد المحافظة على اليمين . ولذلك قال- تعالى-: ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ *) (التحريم : 2). ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- أنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها ". وثبت في الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها , وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها, وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك". وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير" (رواه مسلم). وتعقب الآية الكريمة (رقم224) من سورة "البقرة" على العدول عن اليمين إلى ما فيه البر والخير بقول الحق- تبارك وتعالى-:(.... وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*) ليوحي لقارئ القرآن بأن الله- تعالى- يسمع ما يقال ويعلم موضع الخير كما يعلم نية الحالف بالله , وحكم اليمين أن يفعل الحالف المحلوف به فيكون بارا بيمينه, فيحنث, وتجب الكفارة. وتنقسم الأيمان ألى اليمين اللغو, واليمين المنعقدة, واليمين الغموس (الصابرة). ومن رحمة الله- تعالى- بعباده أن ما جرى به اللسان عفوا ولغوا من غير قصد, فلا كفارة فيه, فالله تعالى لم يجعل الكفارة إلا في اليمين المعقودة, أي: التي يقصد إليها الحالف قصدا , وينوي الالتزام بما وراءها مما حلف عليه ثم يحنث في ذلك , ولذلك قال- تعالى- في الآية التالية مباشرة: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ*) (البقرة:225). وقد روى أبو داود- بإسناده- عن أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها وأرضاها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: " اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: كلا والله, وبلى والله", ومن لغو اليمين أن يحلف المرء على شئ يظن صدقه , فيظهر خلاف ذلك فهو من باب الخطأ, فلا كفارة فيه, ولا مؤاخذة عليه. وورد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قوله : " لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان ", كما روي عنه : " لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله, فذلك ليس عليك فيه كفارة ". وعن سعيد بن المسيب- رضي الله عنه- أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه وأرضاه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل , ولا في قطيعة الرحم, ولا فيما لا تملك ". | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:08 am | |
| من أسرار القرآن :(371)_(وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ …. ) (سورة البقرة:221). بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب محمد النجار
هذا النص القرآنى الكريم جاء فى الربع الأخير من سورة "البقرة", وهى سورة مدنية, وآياتها مئتان وست وثمانون (286) بعد البسملة, وهى أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق, وقد سميت بهذا الإسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة أجراها الله – تعالى – لنبيه موسى بن عمران – على نبينا وعليه من الله السلام – حين تعرض شخص من قومه للقتل, ولم يعرف قاتله, فأوحى الله – سبحانه وتعالى –إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بأذن الله, ويخبر عن قاتله ثم يموت, وذلك إحقاقا للحق وشهادة لله – تعالى – بالقدرة على إحياء الموتى, وشهادة لعبده ونبيه موسى بالنبوة وبالرسالة. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة "البقرة", وما جاء فيها من ركائز العقيدة, وأسس العبادة, وقواعد مكارم الأخلاق, ومن عدد من التشريعات الإسلامية, والقصص القرآنى, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعى فى تحريم زواج المسلمين من المشركات, وتحريم زواج المسلمات من المشركين كما حددته هذه الأية المباركة.من أوجه الإعجاز التشريعى فى النص الكريم يقول ربنا – تبارك وتعالى – فى محكم كتابه:(وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). ( البقرة : 221 ).وهذه الآية القرآنية الكريمة يأمر فيها ربنا- تبارك وتعالى-جميع الذكور من المسلمين بألا يتزوجوا من المشركات حتى يؤمنّ بالله – تعالى – ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولاصاحبة ولا ولد, وأن ينزّهن هذا الخالق العظيم عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لايليق بجلاله, وأن يؤمنّ بملائكة الله, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, وهذه هى أركان الإيمان.وتؤكد الآية الكريمة لكل رجل مسلم أن زواجه من أمة مؤمنة (أى الأنثى المملوكة بملك اليمين) أفضل من زواجة من حرة مشركة- مهما كان جمالها, وثراؤها, وسلطانها وغير ذلك من المغريات التى يمكن أن تدفعه إلى الاقتران بها – وفى ذلك يقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم-: (1) " لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن, ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن, وانكحوهن على الدين, فلأمة سوداء جرداء ذات دين أفضل" ( ابن ماجه).(2) " تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولحسنها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك" ( البخارى ومسلم).(3) " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" ( مسلم ).(4) " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلاتفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض" ( ابن ماجه ).(5) " تخيروا لنطفكم, وأنكحوا الأكفاء, وأنكحوا إليهم" ( ابن ماجه).وفى المقابل يأمر ربنا – تبارك وتعالى – جميع المسلمين بألا يزوجوا المشركين من نسائهم المؤمنات حتى يؤمن هؤلاء المشركون لله – تعالى – ربا واحدا أحدا فردا صمدا , بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولدا , وأن ينزهوا الله " تعالى " عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وأن يؤمنوا بملائكة الله, وكتبه, ورسله, واليوم الأخر, وبالقدر خيره وشره.وتؤكد الآية الكريمة على أن زواج المسلمة من غير مؤمن خير من زواجها من مشرك – مهما كان ثراؤه أو جاهه أو سلطانه. وليس هذا من قبيل التعصب الدينى لأن الإسلام العظيم يؤكد الأخوة المطلقة بين بنى الإنسان الذين ينتهى نسبهم إلى أب واحد وأم واحده ولكن الحكمة من هذا التشريع أن رابطة الزوجية هى أعمق رابطة تربط بين ذكر وأنثى, ومن ثم فإنها تستلزم القيام على أقوى الركائز وأدومها, وهى ركيزة الإيمان الصحيح بالله – سبحانه وتعالى –, والذى ينبنى عليه فهم الإنسان لرسالته فى هذه الحياة الدنيا: عبدا لله, مطالبا بعبادته وحده بما أمر, ومستخلفا فى الأرض, مطالبا بحسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها وذلك بعمارتها وبإقامة شرع الله وعدله فى ربوعها, وأول ما يجب تحقيق ذلك يكون فى نطاق الأسرة لأنها هى أساس المجتمع, فإذا صلحت صلح المجتمع كله, وإذا فسدت انهار المجتمع من أساسه. والنظام الاجتماعى فى الإسلام قائم على نظام الأسرة’ ولذلك فإنه يعتبر أية علاقة بين الجنسين خارج هذا الإطار هى علاقة محرمة تحريما قاطعا. والأسرة تلبى كل احتياجات الفطرة الإنسانية وترسيخ مقوماتها حيث تتوحد فى ظلها القلوب والعقول وماينتج عن ذلك التوحد من المفاهيم والمشاعر والأحاسيس. وإذا لم تبدأ الأسرة على أساس من العقيدة الدينية الصحيحة فإن مثل هذا اللقاء لايمكن له أن يتحقق, وذلك لأن الحياة بطبيعتها مليئة بالا بتلاءات والشدائد والمصاعب, والتى إذا لم تصادف وحدة على العقيدة الصحيحة فإن العلاقات الزوجية سرعان ماتنهار تحت ضغط تلك الشدائد, ويكون لانهيارها من التبعات ما لا يعلمه إلا الله.ومن هنا فإن الاستجابة السريعة لعاصفة عابرة تؤجحبها غمزات الشياطين لا يمكن أن تكون مبررا لإقامة علاقة زوجية مع اختلاف فى العقيدة بين الزوجين مهما كانت مساحة الإغراءات لتحقيق ذلك, والتجارب السابقة كلها تؤكد على حتمية انهيار تلك العلاقة مهما بدت دوافع تحقيقها مغرية وميسرة وممكنة فى أول الأمر.فالزوجة إذا لم تكن على دين زوجها فإنها تحاول أن تصبغ بيتها بصبغة معتقداتها, وأن تغرس تلك المعتقدات فى عقول وقلوب أبنائها مما يؤدى إلى تمزق الأسرة عقديا وعباديا, وفكريا, وسلوكيا وما يمكن أن يحدثه ذلك فى تنشئة الأبناء والبنات منذ بدايات الإدراك الأولى عندهم بشروخ حقيقية فى المعتقدات والعبادات والسلوكيات. ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول الحق – تبارك وتعالى-: (....أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). ( البقرة : 221 ).أى أن مصاهرة المشركين تؤدى بالمسلمين حتما إلى النار, وأن الثبات على أوامر الله – تعالى – بتحريم ذلك يؤدى بالمسلمين إلى جنات الله ومغفرته, والله – سبحانه وتعالى – يوضح مبررات أوامره للناس حتى يفيقوا من ركام الادعاءات المادية الباطلة فيميزوا بين الخير والشر, والطيب والخبيث, وبين ما ينفعهم فى الدنيا والآخرة, وما يدمرهم فى الدارين, والله يقول الحق ويهدى إلى سواء السبيل.وفى قوله- تعالى-: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ...). أى لاترتبطوا بزواج أى من المشركات إلى أن يؤمن إيمانا صادقا صحيحا لا لبس فيه ولا مجاملة’ والمراد بالنكاح هنا هو عقد عقدة الزواج وهو من الفعل الثلاثى (نكح) أى عقد عقدة الزواج, وهذا الفعل الثلاثى لايتعدى إلا إلى مفعول واحد هو هنا ( المشركات).وفى قوله – تعالى -: ( ... وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ... ). ( البقرة : 221 ).تأكيد على حرمة تزوج المسلمة أو زواجها هى بالمشرك. والفعل (تنكحوا) بضم التاء مستمد من الفعل الرباعى (أنكح) بمعنى عقد عقدة الزواج لذكر على أنثى, وهذا الفعل الرباعى يتعدى إلى مفعولين أولها (المشركين) وثاينهما محذوف ويشير إلى (المؤمنات) أى: يا أيها الذين أمنوا لاتزوجوا المشركين بالمؤمنات من بناتكم أو نسائكم, ولاتسمحوا لهن بتزويج أنفسهن من المشركين إذا كن مؤهلات للقيام بذلك- مهما كانت الدوافع والمغريات للوقوع فى تلك المعصية. والعلة فى تحريم عقد زواج المشرك على مؤمنة هو أن الولاية فى الأسرة هى للرجل, وإذا كان الرجل مشركا فقد يستخدم سلطة الولاية فى الاستخفاف بدين زوجته, أو إيذائها بسبب دينها أو منعها من ممارسة عبادتها, أو إجبارها على ترك دينها بالكامل وحملها على الكفر بالله أو الشرك به, فيدمرها تدميرا كاملا فى الدنيا والآخرة. خاصة وأن المسلمة تؤمن بجميع أنبياء الله ورسله وكتبه دون أدنى تفريق, والمشرك لا يعظم ذلك أبدا. ثم إن الأولاد عادة يتبعون الأب- مهما كان معتقده فاسدا- فيدمر أبوهم حياتهم فى الدنيا والآخرة ولذلك قال- تعالى- (....أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). ( البقرة : 221 ).ومن المعلوم أن المغفرة تسبق دخول العبد إلى الجنة, ولكن فى هذه الآية الكريمة قدمت ( الجنة) على (المغفرة) لرعاية المقابلة مع لفظ ( النار) السابقة لتكمل المقابلة وتظهر بإذن الله.وتأكيد النص القرآنى على أن الشرك يقود إلى النار ينطلق من قول ربنا – تبارك وتعالى-:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً). ( النساء:48).ونحن نرى الحكمة من هذا التشريع الالهى العظيم اليوم فى زمن الانفتاح الذى نعيشه, والذى يسهل فيه اتصال كل من المسلم بغير المسلمات من النساء, والمسلمة بغير المسلمين من الرجال عن طريق التليفون المحمول أو الإنترنت أو كتاب الوجه المعروف باسم (الفيس بوك), أو عن طريق السفر إلى الخارج أو الإقامة فى ديار غير المسلمين, وهنا قد يصور الشيطان لأى من الطرفين أو لهما معا إمكانية العيش برباط الزوجية مع اختلاف العقائد والعبادات, وقد يحاول الطرفان جبر نفسهما على التعايش مع هذا الاختلاف لفترة من الزمن, ثم بعد فترة تهدأ العواطف الملتهبة’ ويبدأ الزوجان فى مواجهة تكاليف الحياة الصعبة’ ويبدأ الصدام الحتمى الذى تتكسر على أحجاره كل ما تصوره الطرفان من مشاعر الحب الأعمى الذى دفعهما إلى الارتباط برباط الزواج مع إدراكهما للاختلافات الهائلة التى تفصلها فى مجال العقيدة والعبادات والأخلاق والسلوكيات, وفى مجال المطعومات والمشروبات, والعادات, والعلاقات الأسرية وغيرها وعندها سرعان ما تنهار الأحلام الوردية التى حلموا بها, والأمانى المستقبلية التى خططوا لها, فتنفصم عرى هذه العلاقة المحرمة بمأساوية قاتلة, تكون الضحية فيها غالبا هى المرأة التى تسبق العاطفة عندها حكم العقل, وتبدا المعاناه إلى آخر العمر فى الدنيا, والله أعلم بالمصير فى الآخرة إذا لم تتحقق التوبة والعودة إلى الله بعد هذا القرار الذى اتخذ بلا روية وتتضخم المأساة إذا نتج عن هذه العلاقة المحرمة أطفال لأتهم حتما سيضيعون بين أقدام الأبوين المنفصلين, وسيعانون من آثار التمزق النفسى والعقدى والفكرى والسلوكي الذى عاشوا فى ظله ما قد يكون سببا فى دمارهم الكامل فى الدنيا والآخرة.ولا أقرر ذلك من فراغ فقد اتصل بى عشرات من الشباب المسلمين الذين حدث وأن تعرفوا على نصفهم الآخر من غير المسلمات عبر الدردشة على التليفون المحمول أو الإنترنت, واستشارونى فى إتمام الزواج, وكنت دائما أنصح بالانصراف عن ذلك الوهم الخاسر, ومنهم من كان يقتنع بنصيحتى, ومنهم من جرفته العاطفة العمياء فتمم الزواج الذى سرعان ما انهار وجاءنى يبكى حظه الأغبر.وفى المقابل جاءنى عدد من المسلمات اللائى تعرفن بشباب من غير المسلمين إما عبر شبكة المعلومات الدولية( الإنترنيت) أو الإرشاد السياحى, أو الإقامة بالخارج, وهؤلاء الشبان تظاهروا بقبول الإسلام دينا كى يتم الزواج الذى سرعان ما انهار وتحطم على أول احتكاك فعلى, وكانت الضحية فى كل مرة هى الأنثى المسكينة التى تسبق العاطفة عندها قرار العقل, والنسل البرئ الذى جاء عن طريق هذه العلاقة التى حذرنا القرآن الكريم من أخطار الوقوع فيها, ووضح الضوابط الأخلاقية والسلوكية التى تحفظ الشابات والشبان من الوقوع فى شباكها’ فقال – تعالى-: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).( البقرة : 221 ).وهنا يتضح وجه الإعجاز التشريعى فى هذه الآية الكريمة, لعل شبابنا وشاباتنا من المسلمين أن يعيدوا قراءتها ليتعظوا بها وااله يقول الحق ويهدى إلى صراط مستقيم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:09 am | |
| من أسرار القرآن (370) – (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه: 69) بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب محمد النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في منتصف سورة (طه)، وهي سورة مكية، وآياتها مائة وخمس وثلاثون (135) بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم تكريماً لخاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) لأن (طه) اسم من أسمائه الشريفة بدليل توجيه الخطاب إليه مباشرة بعد هذا النداء، وإن اعتبر عدد من المفسرين هذين الحرفين (طه) من المقطعات الهجائية التي استهل بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم، ويؤكد ذلك أن سورة (طه) من أولها إلى آخرها تعتبر خطاباً من الله – تعالى – إلى خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه و سلم – يؤكد صدق نبوته، وخاتمية رسالته، ويثبته على الحق الذي بعث به، ويسري عنه مما كان يلقاه من كفار ومشركي قريش من مقاومة لدعوته، واضطهاد للمؤمنين به، وتجريح لشخصه الكريم، وهو الذي اشتهر بينهم بوصف الصادق الأمين، ويهوّن عليه الأمر بتكليفه بمجرد البلاغ عن الله – تعالى – والتبشير بالجنة ونعيمها، والتحذير من النار وأهوالها، والإنذار من خطر الوقوع في أي من مواردها، وترك الخيار للإنسان (ذلك المخلوق المكرم، العاقل، المختار، المكلف) أن يسلك ما يشاء من الطريقين، وأمره متروك إلى الله – تعالى – وحده الذي يحكم بين الناس بعلمه المحيط بكل شيء، وعدله المطلق الذي لا يظلم أحداً.هذا، وقد سبق لنا استعراض سورة (طه)، وما جاء فيها من ركائز العقيدة، والإشارة الكونية والتاريخية والعلمية، ونركز هنا على أوجه الإعجاز التاريخي والتشريعي في النص الكريم الذي اخترناه عنواناً لهذا المقال. أولاً: من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في النص الكريم: يشير هذا النص القرآني الكريم إلى واقعة تاريخية هامة في سيرة عبد الله ورسوله موسى بن عمران (على نبينا وعليه من الله السلام)، وقد وقعت في يوم عاشوراء المعروف بيوم الزينة، وهو اليوم الذي أظهر الله – تعالى – فيه عبده ورسوله موسى على فرعون وسحرته. وكان ذلك بعد أن أوفى موسى بالأجل الذي قطعه على نفسه لصهره بأرض مدين (في أقصى الشمال الغربي من جزيرة العرب) وسار بأهله تجاه أرض مصر فتاهوا في شبه جزيرة سيناء. وفي ليلة مظلمة شديدة البرد رأى موسى ناراً تتأجج في جانب الطور، فتحرك إليها لعله أن يأتي لأهل بقبس منها أو أن يجد على النار هدى، فلما وصل إليها في الجانب الغربي من "الوادي المقدس طوى" ناداه الله – تعالى – وشرفه بالنبوة، وكلفه بهداية فرعون وملئه إلى عبادة الله وحده، فشكا موسى إلى الله – تعالى – خوفه من انتقامهم، لسابق قتله نفراً منهم، وهروبه إلى أرض مدين، كما شكا من عقدة لسانه، وسأل ربه أن يشد أزره بأخيه هارون، فآتاه الله – تعالى – طلبه، وأعطاه تسع آيات بينات تشهد له بالنبوة. وأوحى الله – سبحانه وتعالى – إلى هارون أن يلقى أخاه موسى وأن يكون بجانبه في هدايته إلى فرعون وملئه، وفي ذلك تقول الآيات: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى* إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى* قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى* كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى* مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى* وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى* قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى* قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى* فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى* قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى* فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى* قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى* فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى* قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى* فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى* قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى* قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى*) (طه: 42-73).وجاء تفصيل واقعة يوم الزينة في أربعة مواقع أخرى من القرآن الكريم في كل من سورة "الأعراف" (102-136)، وسورة "يونس" (75-82)، وسورة "الإسراء" (101، 102)، وسورة "الشعراء" (10-51).ويتضح وجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في تسجيل القرآن الكريم لواقعة لقاء كل من موسى وهارون – عليهما السلام مع فرعون وسحرته بهذا التفصيل الدقيق الذي لم يرد عنه في "العهد القديم" سوى أن هارون هو الذي ألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان ابتلع ما ألقى سحرة فرعون، ولم يذكر ذلك "العهد" شيئاً عن إيمان سحرة فرعون بما جاء به كل من موسى وهارون وإقرارهم بالوحدانية المطلقة لله – تعالى – فوق جميع خلقه، وإعلانهم الكفر بفرعون وملئه وبما كان قد أكرههم عليه من السحر، وهو أروع ما في الواقعة مما يجعل رواية القرآن الكريم لها وجهاً من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله.ثانياً: من أوجه الإعجاز التشريعي في تحريم السحر: يعرف السحر بمجموع الأقوال والأفعال المنافية لأصول الدين الإسلامي، والمتعارضة مع الأخلاق الشرعية، ولذلك عرفه الفقهاء بأنه الكلام الموضوع الذي يُعظم به غير الله – تعالى -، وهذا المخلوق المعظم زوراً يُنسب إليه زوراً كذلك القدرة على التحكم في مقدرات الكائنات، وبذلك يصبح السحر كبيرة من أقبح الكبائر، ويمثل ردة ظاهرة عن الدين، بصرف النظر عما يترتب على ذلك من الآثار، وذلك لأن الذي يعظم غير الله بما هو مختص بالذات الإلهية فقط أو يصف الإله بما لا يليق به هو كافر بَيِّن الكفر إلى أن يتوب. ومن السحر ما هو من باب التوهم والخيال، ومنه ما هو حقيقة، وقد تترب عليه آثار حقيقية، سواء كانت ضعيفة محدودة، أو كانت بالغة الضرر والأثر. ويخبرنا القرآن الكريم بأن فرعون موسى قد جمع من قومه كل سحّار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فلم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما وصفه القرآن الكريم بقول ربنا – تبارك وتعالى – : (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى*) (طه: 66). والنص صريح بأن سحرة فرعون - وقد كانوا من أمهر السحرة – لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، وكان ذلك قصارى جهدهم.أما السحر الحقيقي فقد جاءت الإشارة إليه في القرآن الكريم عن قصة (هاروت وماروت) ومنه قول ربنا – تبارك وتعالى -: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 102). ومن معاني هذه الآية الكريمة أن اليهود تركوا التوراة وراء ظهورهم، كما تركوا ما أنزل الله من القرآن الكريم وهو مصدق لنبوة موسى – عليه السلام – ولحقيقة "التوراة" التي أنزلها الله – تعالى – إليه، وأخذوا في تتبع ما يقصه الشياطين عن ملك سليمان النبي، وما يحاولون تضليل الناس به من روايات مكذوبة عن هذا النبي الصالح سليمان، إذ يدّعون بأنه كان يعمل بالسحر، وأنه استطاع تسخير ما سخر بقوة السحر الذي كان يستخدمه ويعلمه. والقرآن الكريم ينفي عن عبدالله ونبيه سليمان أنه كان ساحراً، ويقرر أن السحر كفر بنفيه عن سليمان، ويثبته للشياطين، ويعتبر تعلمه واستخدامه كفراً كذلك، كما ينفي أن السحر منزل من عند الله على الملكين ببابل (هاروت وماروت)، ويبين أن هذين الملكين كانا في بابل (من أرض الكوفة) ابتلاءً للناس لحكمة يعلمها الله – تعالى – وقد كان بعض الناس يصبر على تعلم السحر منهما على الرغم من تحذيرهما من ذلك، ومن تأكيد الله – تعالى – أن السحر يضر القائم به ولا ينفعه وأن من يشتريه لا نصيب له من خير الآخرة، فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. وفي ختام الآية الكريمة تقرير لكلية التصور الإسلامي الصحيح بأنه لا يقع شيء في هذا الوجود إلا بإذن الله، لأنه هو رب هذا الكون ومليكه، حاكمه ومدبر كل أمره ولكن ضلال اليهود في جريهم وراء الأساطير، المختلقة، ونبذهم التوراة وراء ظهورهم، ومحاربتهم القرآن الكريم، وهو كتاب الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولجوؤهم إلى السحر وهو من علم الشياطين، وهو كفر بالله – تعالى -، وسبب من أسباب الخلود في النار لمن لا يتوب من رجسه.ولذلك أوصانا ربنا – تبارك وتعالى – بالتعوذ به والاعتصام بجلاله (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) (الفلق: 4). والنفاثات هن النساء الساحرات اللائي كن ينفثن (أي ينفخن) في عقد الخيوط حين يسحرن بها ليصبن عباد الله بسحرهن. والسحر يُدفع شره بكثرة التعوذ بالله – تعالى – والتحصن به، واللجوء إليه، وبتقوى الله – تعالى – في السر والعلن، وأداء حقوقه، ومراقبة أوامره ونواهيه، فمن اتقى الله – تعالى – تولى حفظه، ولم يكله إلى غيره. ومباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام، سواء كانت المباشرة عملاً به أو تعليماً أو تعلماً له. والمجاهر بالسحر حكمه القتل لقول رسول الله – صلى الله عليه و سلم-: "حد الساحر، ضربه بالسيف".وقد تدخل الكهانة في السحر، وإن كان الكاهن هو العرّاف الذي يحدث ويتخرص، والذي له من الجن من يأتيه بالأخبار. والكاهن حكمه حكم الساحر، فيقتل إن جاهر بكهانته لقول سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-: "اقتلوا كل ساحر وكاهن".وفي قوله – تعالى -: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه: 69). تأكيد على ذم السحر وأهله، وقد اعتبره رسول الله - صلى الله عليه و سلم - من الكبائر، ومن السبع الموبقات المهلكات.ومن ذلك كله يتضح وجه الإعجاز التشريعي في تحريم السحر تحريماً قاطعاً بمختلف أشكاله وأساليبه وصوره، ومساواته بالكفر، واعتباره من الكبائر، لأنه قائم على الاتصال الخفي بشياطين الجن وتوظيفهم في الإضرار بالأبرياء الغافلين من خلق الله، من أجل منازعة الله في سلطانه، وهو – تعالى – رب هذا الكون ومليكه، وحاكمه ومدبر أمره. والسحر ضرب من أخذ زمام معاقبة الأبرياء دون محاكمة، ونوع من الظلم المتجاوز لكل الحدود في حق الله – تعالى - وفي حق عباده.فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على بعثة خير الأنام – صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:10 am | |
| من أسرار القرآن: (369)- (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197). بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية الثلث الأخير من سورة "البقرة", وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون (286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق, وتأتي بعد فاتحة الكتاب مباشرة. وقد سميت السورة الكريمة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة حسية أجراها الله- تعالى- على يدي عبده ونبيه موسى- على نبينا وعليه من الله السلام- حين تعرض شخص من قومه للقتل , ولم يُعرف قاتله , فأوحى الله- سبحانه وتعالى- إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة , وأن يضربوا جثة الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله , ويخبر عن قاتله ثم يموت , وذلك إحقاقاً للحق , وشهادة لله- تعالى- بالقدرة على إحياء الموتى. هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة "البقرة" , وما جاء فيها من تشريع , ومن ركائز العقيدة, ومن دعوة إلى الالتزام بمكارم الأخلاق، وقصص , وإشارات كونية , ونركز هنا على أوجه الإعجاز التشريعي في تحديد مواعيد الحج وآدابه .
من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم أولاً: الإعجاز التشريعي في تحديد زمن الحج:حدد ربنا- تبارك وتعالى- لأداء فريضة الحج وقتاً معلوماً هو شهور شوال , وذو القعدة والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة .ولله- تعالى- أن يفضل بعلمه المحيط ما يشاء من خلقه على بعض وذلك من الأزمنة , والأماكن , والرسل والأنبياء , والأفراد الآخرين من بني آدم، ففي تفضيل الرسل قال- تعالى- : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (البقرة: 253).ومن تفضيل الأنبياء قال- تعالى-: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) (الإسراء:55). ومن تفضيل بعض أفراد بني آدم على بعض قال- سبحانه وتعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ*) (الزخرف: 32). ومن تفضيل بعض الأماكن على بعض قال- تعالى- في فضل مكة المكرمة : (1) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125).(2) (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ*) (آل عمران: 96 , 97).(3) (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ*) (القصص: 57).(4) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*) ( الأنعام : 92 ).(5) (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ*) (الشورى:7 ).(6) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*) (الحج: 25).(7) (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ*) (البقرة : 144).ومن تفضيل بعض الأزمنة على بعض قال- تعالى- : (1) (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة: 36).(2) (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المائدة: 97).(3) (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة : 185).(4) (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ *) (الفجر: 1-2).(5) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ( الجمعة : 9).(6) (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ *) (القدر: 3-5). وواضح من هذه الآيات الكريمة أن الله- تعالى- قد جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع, وأنزل في فضله سورة من سور القرآن الكريم (هي سورة الجمعة), وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة, واختصه بإنزال هدايته للبشرية فيه, وجعل الليالي العشر الأخيرة منه أفضل عشرة ليال بالسنة وجعل أفضلها على الإطلاق ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج وفضل بقية الأشهر الحُرُم . فجعل ربنا- تبارك وتعالى- الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أفضل عشرة أيام في السنة (بمعنى النهار) وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة (أي نهار عرفة), وفي ذلك يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة " فقال رجل : هن أفضل , أم عدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال- صلى الله عليه وسلم- : " هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله , وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة , ينزل الله- سبحانه وتعالى- إلى السماء الدنيا , فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول : انظروا إلى عبادي, جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين, جاؤوا من كل فج عميق, يرجون رحمتي ولم يروا عذابي, فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة " ( أبو يعلى , البزار , ابن خزيمة وابن حبان).لذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم . وحرَّم ربنا- تبارك وتعالى- الأشهر الحرم منذ الأزل (وهي ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب ) وجعل القتال فيها مُحرّماً.من هنا كان في قول ربنا- تبارك وتعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ...*) تأكيد على حرمة الوقت الذي حدده- سبحانه- منذ الأزل للإحرام بالحج في أشهر معلومات ( هي شوال , وذو القعدة , والعشر الأوائل من ذي الحجة ). وعلى ذلك فلا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر التي حددها ربنا- تبارك وتعالى- والتزم بها خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- . ففي سنة 8 للهجرة تم فتح مكة المكرمة , وتم تطهير الحرم المكي مما كان المشركون قد وضعوا فيه من الأصنام والأوثان والنصب. وفي السنة التاسعة من الهجرة نزلت سورة "التوبة" بتحريم الطواف بالبيت على المشركين. وفي السنة العاشرة من الهجرة أخبر ربنا- تبارك وتعالى- خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- بأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض, بعد أن كان عرب الجاهلية قد عبثوا بالأشهر القمرية عندما استخدموا فكرة النسيء وهي فكرة شيطانية, فأربكوا معلومات الناس عن شهور السنة, ومن ثم أمره- سبحانه وتعالى- بأداء فريضة الحج بعد أن طهر هذه الشعيرة من أدران الجاهلية بالكامل, وبين للمسلمين مواقيت , ومناسك, وآداب هذه العبادة العظيمة التي يكرم الله- تعالى- من يختاره من عباده لأدائها. فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للحج في أواخر شهر ذي القعدة سنة عشر هجرية , وكانت الحجة الوحيدة التي أداها ورافقه فيها جمع غفير من المسلمين, ولذلك عرفت باسم " حجة الوداع ", أو " حجة البلاغ " أو " حجة الإسلام ". | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:10 am | |
| من أسرار القرآن : (368) ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...*) (البقرة: 189). بقلم
الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية الثلث الأخير من سورة "البقرة", وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون (286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق, وتأتي بعد فاتحة الكتاب مباشرة. وقد سميت السورة الكريمة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة حسية أجراها الله- تعالى- على يدي عبده ونبيه موسى- على نبينا وعليه من الله السلام- حين تعرض شخص من قومه للقتل , ولم يُعرف قاتله , فأوحى الله- سبحانه وتعالى- إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة , وأن يضربوا جثة الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله , ويخبر عن قاتله ثم يموت , وذلك إحقاقاً للحق , وشهادة لله- تعالى- بالقدرة على إحياء الموتى . هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة "البقرة" , وما جاء فيها من تشريع , ومن ركائز العقيدة , ومن دعوة إلى الالتزام بمكارم الأخلاق , وقصص , وإشارات كونية , ونركز هنا على أوجه الإعجاز العلمي والتشريعي في التأكيد على أهمية الشهر القمري في تحديد الزمن النسبي لأهل الأرض , والإعجاز التشريعي في فريضة الحج.أولاً: من أوجه الإعجاز التشريعي والعلمي في اختيار الأهلّة مواقيت للناس: القمر هو أقرب أجرام السماء إلى الأرض، إذ يدور حولها في فلك شبه دائري يبلغ طوله حوالي (2.4) مليون كم , ويبلغ متوسط نصف قطره (أي بعده عن مركز الأرض) (384.400) كم , ومن هنا فإن حركته بالنسبة لأهل الأرض هي أكثر الحركات الفلكية انضباطاً. ففي أثناء هذه الدورة يقع القمر في وضع وسطي بين كل من الأرض والشمس وعلى استقامة واحدة مع مراكز هذه الأجرام الثلاثة , وبذلك يواجه القمر الأرض بوجه مظلم تماماً, وتسمى هذه المرحلة باسم (مرحلة الاقتران) , أو (المحاق) , وتستغرق هذه المرحلة ليلة واحدة أو ليلتين , ثم يتحرك القمر ليخرج عن الاستقامة الواصلة بين مراكز هذه الأجرام الثلاثة فيولد (الهلال) الذي تحدد رؤيته عقب غروب الشمس ( لمدة لا تقل عن عشر دقائق) بداية الشهر القمري الجديد. وباستمرار تحرك القمر في دورته حول الأرض تزداد مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض بالتدريج حتى يصل إلى (التربيع الأول) في ليلة السابع من الشهر القمري, ثم إلى (الأحدب الأول) في ليلة الحادي عشر, ثم إلى (البدر الكامل) في ليلة الرابع عشر, وفيها تكون الأرض بين الشمس من جهة, والقمر من الجهة الأخرى.وبمزيد من تحرك القمر حول الأرض تبدأ مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض تتناقص بالتدريج حتى يتحول البدر إلى (الأحدب الثاني) في حدود ليلة الثامن عشر , ثم إلى (التربيع الثاني) في ليلة الثالث والعشرين , ثم إلى (الهلال المتناقص) في ليلة السادس والعشرين من الشهر القمري , ويستمر في هذه المرحلة لليلتين حتى يصل إلى مرحلة (المحاق) في آخر ليلة أو ليلتين من الشهر القمري حين يعود القمر إلى وضع الاقتران . ولما كان القمر يقطع في كل يوم من أيام الشهر القمري حوالي (12) درجة من درجات دائرة البروج (360 درجة ÷ 29.5 يوماً – 12.2 درجة ), فإنه يقع في كل ليلة من ليالي الشهر القمري في منزل من المنازل التي تحددها ثوابت من النجوم أو من تجمعاتها الظاهرية حول دائرة البروج , وهذه المنازل هي ثمانية وعشرون منزلاً, بعدد الليالي التي يُرى فيها القمر , وتعرف باسم ( منازل القمر).ولما كان القمر يجري مع الأرض حول الشمس ليتم دورته الشمسية السنوية فإنه يمر عبر البروج السماوية الإثني عشر التي تقع فيها الشمس في كل شهر من شهور السنة الشمسية . وعلى ذلك فإن كل منزل من منازل القمر اليومية يحتل مساحة في برج من هذه البروج . وفي الحضارات القديمة عرف الناس دورة القمر من المحاق إلى المحاق , أو من الهلال الوليد إلى الهلال المتناقص , كما عرفوا منازل القمر الثمانية والعشرين , واستخدموا ذلك في تحديد الزمن , وفي التأريخ للأحداث , ويبدو أن ذلك من بقايا الحقب القديمة .من هنا يأتي وجه الإعجاز العلمي والتشريعي في التأكيد على أهمية الشهر القمري في تحديد الزمن النسبي لأهل الأرض بدقة فائقة , أما الزمن المطلق فلا يعلمه إلا الله- تعالى- وعلى ذلك فإن سنة المسلمين هي سنة قمرية / شمسية , يحدد الشهر فيها دورة كاملة للقمر حول الأرض , ويحدد السنة فيها دورة كاملة لكل من الأرض والقمر حول الشمس . والفارق الزمني بين الإثني عشر شهراً قمرياً, والدورة الكاملة للأرض والقمر حول الشمس هي في حدود (11 يوماً), وذلك يحرك عبادة المسلم عبر الفصول المناخية رحمة بالناس , وإشعاراً لهم بحركة الزمن , ولذلك قال- تعالى- موجّهاً الخطاب إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...*). و(الأهلة) جمع (هلال), وهو تعبير عن مراحل القمر من الهلال الوليد إلى البدر الكامل ومنه إلى الهلال المتناقص حتى المحاق . ومن أسباب نزول هذه الآية الكريمة أن كلاًّ من معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة- رضي الله عنهما- قالا : يا رسول الله ! ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل الخيط, ثم يزيد حتى يعظم ويستوي , ثم لا يزال ينقص ويدقّ حتى يعود كما كان , لا يكون على حال واحد ؟ فنزلت هذه الآية الكريمة توضح لهم أن الأهلة هي أفضل وسيلة لتحديد الزمن لأهل الأرض وتحديد الأوقات المضروبة لعباداتهم من مثل أوقات صومهم وفطرهم, وأداء زكاتهم, وحجّهم, وأوقات معاملاتهم من مثل حساب عدة نسائهم, وأوقات حلول ديونهم, وأزمنة وفاء شروطهم المؤجلة, وغير ذلك من أمور دينهم ودنياهم.ثانياً: من أوجه الإعجاز التشريعي في فريضة الحج:الحج يعني قصد المسلم مكة المكرمة مُحرماً من الميقات المحدد في أشهر الحج, والوقوف بعرفة, وما يتبع ذلك من مناسك, يؤديها المسلم البالغ العاقل, الحر, المستطيع (ذكراً كان أو أنثى) ولو لمرة واحدة في العمر, وذلك طاعةً لله- تعالى- واستجابة لأوامره , وطلباً لمرضاته. والحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة, وهو فرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة , وهو حق لله- تعالى- على المستطيعين من عباده لقوله- جل في علاه-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97).والحج هو عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين وذلك لما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل " أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله, قيل : ثم ماذا ؟ قال : ثم جهاد في سبيل الله , قيل : ثم ماذا ؟ قال: ثم حجٌّ مبرور " (والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم) (البخاري ومسلم).وأصل العبادة الخضوع لأوامر الله- تعالى- بالطاعة, ومن هنا فإن العبادة لا تحتاج إلى تبرير, ولكن إذا عُرفت الحكمة من وراء أداء العبادة فإن مؤديّها يتمكن من إتقان أدائها بطريقة أفضل, ويسلك في أدائها سلوكاً أنبل وأجمل, ويكون أجره على أدائها أوفى وأكمل. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:11 am | |
| من أسرار القرآن (367) (...فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ....)
(البقرة :144) بقلمالأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع النصف الثاني من سورة " البقرة ", وهي سورة مدنية , وآياتها مائتان وست وثمانون (286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق , وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة أجراها ربنا – تبارك وتعالى – على يدي عبده ونبيه موسى بن عمران- على نبينا وعليه من الله السلام – حين تعرض شخص من قومه للقتل , ولم يعرف قاتله , فأوحى الله – تعالى- إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة , وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله , ويخبر عن قاتله , ثم يموت , وذلك إحقاقا للحق وشهادة لله الخالق بالقدرة على إحياء الموتى . ويدور المحور الرئيسي لسورة " البقرة " حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات , والأخلاق , والمعاملات , وإن لم تغفل هذه السورة الكريمة الإشارة إلى عدد من ركائز العقيدة الإسلامية , وقصص عدد من الأنبياء وأممهم .
هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة " البقرة " وما جاء فيها من التشريعات, وركائز العقيدة , والعبادات, ومكارم الأخلاق, والقصص والإشارات الكونية, ونركز هنا على الحكمة من جعل التوجه إلى الكعبة المشرفة ( استقبال القبلة ) فرضا من فروض الصلاة وشرطا من شروط صحتها ,لا تصح الصلاة بدونه إلا ما جاء في صلاة الخوف والفزع , وفي صلاة النافلة على الدابة , أو السفينة , أو الطائرة وذلك للأمر الإلهي إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث يقول ربنا – تبارك وتعالى- له : (.... فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...) (البقرة:144).
من أوجه الإعجاز التشريعي في استقبال الكعبة المشرفة أولا : التأكيد على ضرورة توحيد المسلمين وجمع كلمتهم على التوحيد الكامل للإله الخالق – سبحانه وتعالى – ( بغير شريك , ولا شبيه , ولا منازع , ولا صاحبة ولا ولد ). فكما أن البيت المعمور هو قبلة أهل السماء فإن البيت العتيق هو قبلة أهل الأرض. ثانيا : أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس في الأرض من أجل عبادة الله الخالق – سبحانه وتعالى – حيث أمر الله الملائكة ببنائها قبل خلق أبينا آدم – عليه السلام – ببلايين السنين وذلك لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (1) " أول من طاف بالبيت الملائكة" (أحمد). (2)" كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض " ( الهروي , الزمخشري , البيهقي , عبد الرزاق ). (3) "دحيت الأرض من تحت مكة , فمدها الله تعالى – من تحتها فسميت ( أم القرى ) " ( الإمام أحمد , السيوطي ). وهذا المد كان في بدء تكوين الكتل القارية للإرض . (4) وفي شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن قتيبة – رحمه الله – أن مكة المكرمة سميت باسم " أم القرى " لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض ( البيهقي , الطبراني ) . (5)كذلك أخرج كل من البيهقي والطبراني عن أبن عمر – رضي الله عنهما – موقوفا أنه ( أي البيت الحرام ) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة ( بفتح الزاي أي كتلة من الزبد ) بيضاء فدحيت الأرض من تحته ولعل ذلك يفسر قول الحق – تبارك وتعالى - : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) ( آل عمران : 96 ) . ثالثا : لذلك شرع الله – تعالى – الحج إلى بيته العتيق , وجعله ركنا من أركان الإسلام , كما جعله حقا لذاته العلية على كل مسلم , بالغ , عاقل , حر , مستطيع , ولو لمرة واحدة في العمر , وهو من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة لقول ربنا – تبارك وتعالى – في محكم كتابه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ *) ( آل عمران: 97) . رابعا : أكدت المعارف المكتسبة توسط مكة من اليابسة واستقامة خط الطول المار بها مع الشمال الحقيقي دون أدنى انحراف مغناطيسي , وهي خاصية محددة لهذه البقعة المباركة . كذلك أكدت آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض , بل هي في موقع مميز من الكون كله وفي ذلك يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم -: (1)-" البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو على منا الكعبة" ( البيهقي , الأرزقي ).
(2)- " يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء " (الفاكهي). (3)- " إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع " (الأرزقي). خامسا : تؤكد آيات القرآن الكريم توسط الكرة الأرضية من السموات وذلك بقول ربنا – تبارك وتعالى – (1)- (يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ *) (الرحمن : 33) واجتماع أقطار السموات – على ضخامتها – مع أقطار الأرض على ضآلتها يؤكد مركزية الأرض من الكون . (2)- في عشرين آية قرآنية كريمة جاء ذكر البينية الفاصلة بين السموات والأرض وذلك من قوله – تعالى – (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّ) (مريم : 65). وهذه البينية لا تتحقق إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع , فإذا كانت الأرض في مركز السموات السبع , وكانت الأرضون السبع كلها في أرضنا هذه , وكانت الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولى ( وهي اليابسة) اتضح تفرد موقع الكعبة المشرفة بالنسبة للكون كله, خاصة إذا أكد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة تماما حتى إذا خر خر فوقها . | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:19 am | |
| من أسرار القرآن (366) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ...*) (المائدة :6) بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في أوائل سورة "المائدة" وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وعشرون (120) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, ومن أواخرها نزولا, فقد أنزلت في السنة السادسة من الهجرة بعد "صلح الحديبية", وقد سميت السورة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى المائدة التي أنزلها الله -تعالى- من السماء كرامة لعبده ورسوله المسيح عيسى بن مريم ( عليهما السلام ). ويدور المحور الرئيسي لسورة "المائدة" حول التشريع بأحكام الدولة الإسلامية , وتنظيم مجتمعاتها على أساس من الإيمان بوحدانية الخالق (سبحانه وتعالى) , وعبادته وحده (بغير شريك , ولا شبيه , ولا منازع , ولا صاحبة ولا ولد) , وتنزيهه فوق جميع صفات خلقه , وفوق كل وصف لا يليق بجلاله , ومن هنا كان حقه في التشريع لعباده. وكانت أول بنود هذا التشريع الإسلامي هو عقد الإيمان بالله – تعالى- ربا وبالإسلام دينا , وبسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا. وهذا العقد هو القاعدة التي يقوم عليها سائر العقود في حياة المسلم , ومن هنا استهلت هذه السورة الكريمة بمطالبة الذين آمنوا بالوفاء بالعقود. هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة "المائدة", وما جاء فيها من التشريعات, وركائز العقيدة, والإشارات العلمية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال . من فقه الوضوء يقول ربنا – تبارك وتعالى- في محكم كتابه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ...*)(المائدة:6) والقيام إلى الصلاة هو تهيؤ للوقوف بين يدي الله- سبحانه وتعالى- خالق الخلق ومبدع الوجود , رب هذا الكون ومليكه , موجده وسيده ومصرف أمره, ولا بد لهدا الموقف من طهارة مادية ومعنوية كبيرة, ومن هنا كان تشريع الوضوء, ومن فرائضه غسل الوجه, وغسل اليدين إلى المرافق, ومسح الرأس, وغسل الرجلين إلى الكعبين, ولذلك قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم- " لا يقبل الله صلاة أحدكم أذا أحدث حتى يتوضأ " ( روا الشيخيان , وأبو داود , والترمذي ). والوضوء في حق المحدث واجب, وفي حق المتطهر ندب, وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة, فلما كان عام الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد من أجل التشريع بالأمرين. وعنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات " . وقد استدل عدد من العلماء بقوله- تعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم...*) على وجوب النية في الوضوء. ويستحب للمسلم قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله- تعالى- على وضوئه, وذلك لقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". كذلك يستحب أن يغسل كفيه ثلاثا قبل البدء في الوضوء خاصة عند القيام من النوم. وحد الوجه عند الفقهاء ما بين منابت الشعر إلى منتهى اللحيين والذقن طولا , ومن الأذن إلى الأذن عرضا , ويستحب للمتوضئ أن يخلل لحيته إذا كانت كثيفة. وقد ثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا توضأ تمضمض واستنشق ثلاثا لقوله : " من توضأ فليستنشق " وفي رواية : " إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء ثم لينثر " والانتثار هو المبالغة في الاستنشاق. وفي قوله- تعالى- : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ) معناه مع المرافق, ويستحب للمتوضئ أن يبدأ بالعضد فيغسله مع ذراعيه, لقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ,فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " (البخاري , مسلم ) ؛ ولقوله " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " (مسلم). وفي قوله- تعالى- : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم) وفسرت ( الباء) هنا بأنها للإلصاق ( وهو الأظهر ) أو للتبعيض, فذهب بعض الفقهاء إلى تكميل مسح جميع الرأس من مقدمته إلى القفا مقبلا ومدبرا ( مرة واحدة أو ثلاث مرات ). وفي قوله- تعالى- : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ) فالواجب هو غسل الرجلين إلى الكعبين( والكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم ), ولذلك قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم- : " أسبغوا الوضوء , ويل للأعقاب من النار " , وفي رواية : " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " وإسبلغ الوضوء إتمامه (رواه البيهقي والحاكم). وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثا ثلاثا .
كذلك أخرج الإمام أحمد عن عمرو بن عبسة أنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ قال ( صلى الله عليه وسلم- " ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر, ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء, ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله , ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء, ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء , ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له أهل , ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " ( أحمد , مسلم ) . وعن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال " إن الخصلة الصالحة تكون في الرجل يصلح الله بها عمله كله , وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنوبه وتبقى صلاته له نافلة " (أبو يعلى, البزار, الطبراني) وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا , ويرفع به الدرجات , قالوا بلى يا رسول الله ,قال: " إسباغ الوضوء على المكاره , وكثرة الخطى إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلكم الرباط فذلكم الرباط " ( رواه مالك, مسلم, الترمذي, النسائي). وعلى ذلك فإن فرائض الوضوء هي : النية , غسل الوجه , غسل اليدين إلى المرفقين , مسح الرأس , غسل الرجلين مع الكعبين , بهذا الترتيب . ومن سنن الوضوء : التسمية في أوله, السواك, غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء, المضمضة ثلاثا, الاستنشاق والاستنثار ثلاثا, تخليل اللحية, تخليل الأصابع, التيامن, الدلك, الموالاة, مسح الأذنين , إطالة الغرة ( بالزيادة عن المفروض في غسل الوجه ), وإطالة التحجيل ( بغسل ما فوق المرفقين والكعبين), الاقتصاد في الماء, الدعاء أثناءه وبعده, وصلاة ركعتين بعده. ويجب الوضوء للصلاة مطلقا, وللطواف بالبيت الحرام, وللمس المصحف الشريف. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:19 am | |
| من أسرار القرآن
(365) (...وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً*) ( الأحزاب:38). بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب النجار هذا النص القرآنى الكريم جاء فى مطلع النصف الثانى من سورة "الأحزاب", وهى سورة مدنية, وآياتها ثلاث وسبعون (73) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الأسم لورود الإشارة فيها إلى غزوة الأحزاب, والأحزاب تكونت من كفار قريش الذين جاءوا من جنوب بلاد الحجاز, وممن تجمع معهم من القبائل من مثل قبيلتى غطفان وأشجع الذين جاءوا من شمال بلاد الحجاز, وتحزبوا لمحاربة المسلمين, وقاموا بمحصارة المدينة المنورة فى السنة الرابعة للهجرة, فأمررسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحفر خندق حول المدينة دفاعا عنها ضد حصار الكفار والمشركين الذين دام لحوالى الشهر, ثم أرسل الله- تعالى- على أحزاب الكفار المحاصرين للمدينة ريحا عاصفة, وجنودا من الملائكة, فاضطروا إلى فك الحصار, وإلى الفرار بعيدا عن المدينة طالبين النجاة, فرجعوا إلى ديارهم بخيبة الأمل.ويدور المحور الرئيسى لسورة " الأحزاب" حول الوصف التفصيلى للغزوة التى سميت باسمها, وما كان فيها من خوف واضطراب, وما تم فى نهايتها للمسلمين من نصر تحقق به وعد الله.وبالإضافة لذلك أوردت السورة عددا من التشريعات والآداب الإسلامية وتحدثت عن الأخرة وأهوالها’ ونصحت بضرورة الالتزام بتقوى الله’ وختمت بالحديث عن الأمانة التى حملها الإنسان, ولم يطق حملها أى من السماوات والأرض والجبال.هذا وقد سبق لنا استعراض سورة "الأحزاب", وما جاء فيها من التشريعات, وركائز كل من العقيدة والعبادات والأخلاق, ونورد هنا الحديث عن ومضة الإعجاز التشريعى فى الدعوة إلى الأيمان بقدر الله.من أوجه الإعجاز التشريعى فى النص الكريم يقول ربنا- تبارك وتعالى- فى محكم كتابه: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ) ( الأحزاب:38).نزلت هذه الأية الكريمة فى التأكيد على أنه ما كان على النبى- صلى الله عليه وسلم – من حرج فيما فرض الله – تعالى – له أى: فيما أحل الله – سبحانه وتعالى – له, وأمره به من الزواج بالسيدة / زينب بنت جحش – رضى الله عنها – بعد أن كان زيد بن حارثة قد طلقها, من أجل أن يشرع الله – جل جلاله – تحريم التبنى, ويؤكد على جواز التزوج بمطلقات الأبناء المتبنين تأكيدا على عدم شرعية عملية التبنى التى كانت سائدة فى زمن الجاهلية, ولا يزال الكثيرون من الجهلة بالدين يمارسونها إلى يومنا هذا.وفى هذا السياق يروى ابن عباس – رضى الله عنهما – أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة – رضى الله عنهما – فاستنكفت منه, وقالت: أنا خير منه حسبا, فأنزل الله – تعالى -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ).( الأحزاب : 36). وإن كانت الآية أمرا عاما بطاعة أوامر الله – تعالى – وأوامر رسوله – صلوات الله وسلامه عليه – فى كل أمر من الأمور, فإذا حكم الله ورسوله بشئ’ فليس لأحد من الخلق مخالفته, ولا اختيار لأحد ههنا, ولا رأى ولا قول. وتستمر الآيات بعد ذلك بخطاب من الله – تعالى – موجه إلى خاتم أنبيائه ورسله – صلى الله عليه وسلم – يقول له فيه: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً* مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً).( الأحزاب:37-38).وتشير هاتان الآيتان الكريمتان إلى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان قد زوج زيد ابن حارثة بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية بأمر من الله – تعالى – بعد أن أنعم الله عليه بالإسلام وبمتابعة الرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم – ثم أنعم عليه رسول الله بعتقه من الرق وهو من أسرة عريقة, ولكنه كان قد أسر صبيا صغيرا وبيع رقيقا فى أسواق مكة فاشترته السيدة خديجة – عليها رضوان الله- ووهبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأعتقه. وبعد زواج دام قرابة السنة وقع بين الزوجين خلاف فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجعل رسول الله يوصيه بأن يمسك عليه زوجه وأن يتقى الله فيها, ولكن الله – تعالى – كان قد أعلم نبيه بأن ابنة عمته زينب بنت جحش ستكون من أزواجه, من قبل أن يتزوجها, وكان الله – تعالى- قد أمره أن يزوجها من زيد بن حارثة ثم أنها سوف تطلق منه ليتزوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يبطل ظاهرة التبنى, ويبيح للأباء الزواج من مطلقات الأدعياء, وأن يعوض السيدة زينب بنت جحش عن الزواج من عبد طليق وهى من سادات قريش, وأن يعوض ذلك العبد الطليق الذى كان قد أسر فى طفولته وبيع رقيقا فى أسواق مكة وهو من أشراف قومه. ولذلك عندما جاءه زيد شاكيا من زوجته أوصاه بالمحافظة على بيته وهو يعلم أن ذلك لن يكون, ومن هنا قال له الله – تعالى – ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ). وكان ذلك كله بتقدير من الله – تعالى – حتى يؤمن كل مسلم ومسلمة بقضاء الله وقدره كركن من أركان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر’ وبالقدر خيره وشره’ ولذلك قال – تعالى -: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ). ( الأحزاب:38). | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:20 am | |
| (363)-"...... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.........*" (الحشر:7)بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الثلث الأول من سورة "الحشر", وهي سورة مدنية, وآياتها أربع وعشرون (24) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم (الحشر) بسبب حشر يهود "بني النضير" العرب من كفار أهل الكتاب إلى بلاد الشام بعد أن أخرجهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من جواره, وإن لجأت طائفة منهم إلى منطقة خيبر العربية إلى الشمال من مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . ويدور المحور الرئيسي للسورة حول " غزوة بني النضير " التي وقعت في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة (الموافق شهر أغسطس سنة 635 م) وما تبعها من طرد لهؤلاء الكفرة من أهل الكتاب من اليهود العرب الخائنين من شبه الجزيرة العربية, وفضح كل من مخططاتهم المريبة ومسالك المنافقين الذين تعاونوا معهم من كفار ومشركي العرب. وفي نفس الوقت تمتدح الآيات في سورة "الحشر" ما أظهره كل من المهاجرين والأنصار من مظاهر الأخوة الإسلامية الحقيقية التي ظلت تضرب بها الأمثال إلى اليوم . كذلك بينت الآيات في هذه السورة المباركة أحكام الفيئ , ووصية الله لعباده المؤمنين بالتزام تقواه- سبحانه وتعالى- والخضوع لأوامره , ومداومة التفكر في بديع تدبيره الحكيم في كل أمر من أمور خلقه . وتؤكد الآيات في سورة "الحشر" على ضرورة استعداد العبد المؤمن للانتقال من الدنيا إلى الآخرة , وضرورة المداومة بالثناء على الله- تعالى- وتسبيحه وحمده , وتنزيهه عن جميع صفات خلقه , وعن كل وصف لا يليق بجلاله , ولذلك بينت الآيات عددا من أسماء الله الحسنى , وصفاته العليا . هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة "الحشر" وما جاء فيها من ركائز العقيدة , ووصف لغزوة "بني النضير" , والدروس والعبر المستفادة من استعراض السورة الكريمة لتلك الغزوة . ونركز هنا على الحكمة التشريعية من الأمر الإلهي باتباع سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خاصة في زمن الفتن الذي نعيشه , والذي تطاول فيه الأقزام من الكفار والمشركين ومن المتنطعين والمترددين على مقام خير الخلق أجمعين وكثر تهجمهم على سنته المطهرة . من الإعجاز التشريعي في الأمر
باتباع سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أسس الإسلام العظيم: العقيدة الصحيحة , والعبادة السليمة , والحض على الالتزام بمكارم الأخلاق , وبحسن السلوك وانضباط المعاملات . وهذا الدين ( الإسلام) علمه ربنا- تبارك وتعالى- لأبينا آدم- عليه السلام- لحظة خلقه , وعلم آدم بنيه , وعاشت البشرية عشرة قرون كاملة بين أبينا آدم ونوح-عليهما السلام- على التوحيد الخالص لله الخالق- سبحانه وتعالى- وذلك انطلاقا من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "كان بين آدم ونوح عشرة قرون, كلهم على شريعة الحق" ( أخرجه الحاكم في المستدرك ). ويروي ابن عباس " رضي الله عنهما ": " أن رجالا صالحين من قوم نوح هلكوا , فوسوس الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم , ففعلوا ولم تعبد , حتى إذا هلك أولئك, وتنسخ العلم عبدت " ( أخرجه البخاري) . وتفشت الوثنية في قوم نوح فبعثه الله- تعالى- أليهم ليردهم إلى توحيد الله من جديد فلم يستجب إلى دعوته إلا أقل القليل . ولما يئس نوح من هدايتهم دعا الله- تعالى- عليهم فأغرقهم بالطوفان . وتكرر المشهد مع كل الأمم التي جاءت بعد قوم نوح من مثل أقوام عاد, وثمود , وفرعون , وقوم إبراهيم , وقوم لوط , وأصحاب الأيكة , وأصحاب الرس وقوم تبع وغيرهم إلى اليوم والبشرية تتناوبها فترات من الإيمان ثم الكفر , ومن التوحيد ثم الشرك , ومن الاستقامة على منهج الله- تعالى- ثم الخروج عليه, لأن الشيطان كان دوما للإنسان بالمرصاد, ولذلك أرسل الله- تعالى- عددا كبيرا من الأنبياء والمرسلين لهداية البشرية, وفي ذلك يقول ربنا- تبارك وتعالى-: (... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ...*) (فاطر:24). ويروي الإمام أحمد- رحمه الله- عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- أنه قال: " أتيت رسول الله- صلى اله عليه وسلم- قائلا يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال- صلى الله عليه وسلم- "آدم" , قلت : يا رسول الله ! ونبي كان؟ قال: "نعم, نبي مكلم" قال: قلت: يا رسول الله! كم المرسلون ؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا" (مسند الإمام أحمد) . وفي رواية أبي أمامة- رضي الله عنه- فال أبو ذر:... قلت يا رسول الله! كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا, الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا" (مسند الإمام أحمد). وهذه النصوص من القرآن والسنة تؤكد أن الهداية الربانية ظلت تتنزل على أهل الأرض لعدة آلاف من السنين , وبواسطة عشرات الآلاف من الأنبياء , وبضع المئات من الرسل , وكان لا بد من ختام لوحي السماء , وقد تجسد هذا الختام في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- ولذلك تعهد ربنا- تبارك وتعالى- بحفظهما , فحفظا على مدى يزيد على أربعة عشر قرنا في نفس لغة الوحي بهما- اللغة العربية- وتعهد ربنا- سبحانه وتعالى- بحفظ هذه الرسالة الخاتمة تعهدا مطلقا حتى تبقى حجة الله على خلقه إلى يوم الدين فقال- تعالى- (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *) (الحجر:9) . وقال-عز من قائل- (...اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً...*) ( المائدة :3 ) . وباستعراض تاريخ البشرية على الأرض نجد أن فترات سيادة النبوة والتزام الناس بدين الله كانت ومضات بارقة من أنوار الهداية الربانية وسط ظلمات طويلة من الجاهلية الدامسة, وكأن الإنسان لم يتعلم من هذه التجربة الطويلة التي استمرت لعدة عشرات الألوف من السنين . فبعد جهود مائة وأربعة وعشرين ألف نبي, وبعد تنزل ثلاثمائة وبضعة عشر رسالة سماوية فإن أهل الأرض جميعا- فيما عدا آحاد متناثرة من الأحناف – فقدوا اتصالهم بهداية خالقهم , حتى جاءت الرسالة الخاتمة على قلب ولسان الرسول الخاتم- صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة , التي عنيت بشرح ما جاء من ركائز الدين في كتاب الله , وبشرح كيفيات تطبيقها تطبيقا عمليا في واقع حياة الناس , وتفصيلها لهم, وتثبيتها في قلوبهم وعقولهم وممارساتهم, ومن هنا فإن الأمر الإلهي بالعناية بسنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعلها من ضرورات الدين ولوازمه أصبحت وجها من أوجه الإعجاز التشريعي في كتاب الله لأنها توضح كثيرا من الأحكام التي أجملها كتاب الله- تعالى- وتفسر آياته, ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقوالا كثيرة تؤكد حجية السنة النبوية المطهرة منها ما يلي: (1) "....فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين , عضوا عليها بالنواجذ..." (أخرجه كل من أبي داود والترمذي, وابن ماجه وأحمد) . (2) "....ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" ( أخرجه كل من أبي داود وأحمد) . (3) " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي (مالك والبيهقي) . (4) "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا يا رسول الله ومن يأبى قال- صلى الله عليه وسلم- من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" . (البخاري وأحمد) . (5) " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع, فرب مبلغ أوعى من سامع" ( الترمذي والدارمي ) . (6) وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم- في عام سنة (أي جدب) سعر لنا يا رسول الله (أي: ثمن لنا لكل سلعة) , قال : " لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني بها , ولكن اسألوا الله من فضله " (الطبراني, وأبو داود, والترمذي,وابن ماجة وأحمد) . لذلك حذر رسول الله- صلى الله عليه وسلم تحذيرا شديدا فقال : (7) " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد , ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (البخاري ومسلم) . ( وقال- صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو : " أكتب عني فوالذي نفسي بيده ما خرج من فمي إلا الحق" (أبو داود وأحمد) . وكان ذلك بعد نهيه- صلى الله عليه وسلم- عن كتابة غير القرآن لمن لا يؤمن عليه الغلط والخلط بين المصدرين فقد كان قال "لا تكتبوا عني , ومن كتب عني غير القرآن فليمحه "
(مسلم, أحمد والدارمي ) . (9) وقد تنبأ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بخروج طائفة من منكري السنة فقال : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه , ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ...." (أبو داود). (10) وقال- صلى الله عليه وسلم- " لا ألقين أحدكم متكئا على أريكته , يأتيه أمر مما أمرت به , أو نهيت عنه فيقول: لا ادري! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ( أبو داود, والترمذي ) . وهذان الحديثان من المعجزات الإنبائية لرسول الله . ولذلك أمر ربنا- تبارك وتعالى- بطاعة خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر , وباجتناب نواهيه في كل ما حرم , وفي ذلك يقول – وقوله الحق-: (.... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ * )
(الحشر:7 ) . ومن معاني هذا النص الكريم أن الله- تعالى- يأمر المسلمين كافة بطاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كل أمر أمرهم به , وفي كل شئ نهاهم عنه لأنه هو الموصول بالوحي , والمعلم من قبل خالق السموات والأرض , فلا يأمر إلا بكل خير وصلاح ولا ينهى إلا عن كل شر وفساد . والآية وإن كانت قد نزلت في أموال الفئ , إلا أن الحكم فيها يبقى عاما في كل ما أمر به النبي- صلى الله عليه وسلم- أو نهى عنه , ويشمل ذلك كل واجب , ومندوب , ومستحب أو محرم , ولذلك حذر في ختام الآية من نزول عقاب الله الشديد بالخارجين عن أوامر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال (...إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ* ) . ولذلك أيضا قال- تعالى- مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *) (النحل:44) . وقال- عز من قائل- : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * ) (الجمعة : 2 ) . والسنة النبوية المطهرة هي كل ما أثر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل , أو تقرير , أو صفة , أو سيرة , سواء كان ذلك قبل البعثة الشريفة أو بعدها . ولذلك حفظها ربنا- تبارك وتعالى- كما حفظ القرآن الكريم , مع تسليمنا بأن استحالة الدس على كتاب الله لكثرة حفاظه , قد ألجأت نفرا من حقدة الكفار والمشركين في محاولة الدس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا أن جهود علماء المسلمين من أجل تحقيق السنة قد فاقت جهود التحقيق في أي مجال علمي آخر . وقد سلك علماء الحديث من أجل تحقيق ذلك طرقا في النقد والتمحيص لم يسبقوا بمثلها أبدا , حتى فاقت علوم الحديث خمسة وستين علما , فأبقوا سنة هذا الرسول الخاتم , وسيرته الشريفة مدونة تدوينا لم تنله أقوال وأفعال وصفات نبي من قبل , وجعلت من هذه السنة الشريفة أحد مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم , وقبل كل من الإجماع والقياس , والاستحسان , والمصالح المرسلة , ولولا ذلك ما فهمنا الكثير من أحكام الإسلام خاصة في مجال العبادات والمعاملات . من ذلك تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال , فالحمد لله على نعمة الإسلام , والحمد لله على نعمة القرآن , والحمد لله على بعثة خير الأنام , والحمد لله على العهد الألهي المطلق بحفظ كل ما أوحى إليه من قرآن وسنة , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
| |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:21 am | |
| من أسرار القرآن: (351)-( وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *) (البقرة::179) بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في نهاية الثلث الثاني من سورة' البقرة', وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق. وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة أجراها ربنا- تبارك وتعالي- علي يدي عبده ونبيه موسي بن عمران-علي نبينا وعليه من الله السلام- وذلك حين تعرض شخص من قومه للقتل, ولم يعرف قاتله, فأوحي الله-تعالي- إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله, ويخبر عن قاتله, ثم يموت, وذلك إحقاقا للحق, وشهادة لله- سبحانه وتعالي- بالقدرة علي إحياء الموتي.ويدور المحور الرئيسي لسورة' البقرة' حول قضية التشريع الإسلامي, في العبادات والأخلاق والمعاملات, مع الإشارة إلي ركائز العقيدة الإسلامية بين ثنايا التشريع, وإلي العديد من قصص السابقين, وحقائق الكون. من أوجه الإعجاز التشريعي في فرض القصاص جاءت لفظة( القصاص) في القرآن الكريم في أربع آيات منها: 1 ـ (الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ) ( البقرة:194). 2 ـ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
( المائدة:45). و(القصاص) لغة هو المساواة, وهو التتبع من أجل تحقيق تلك المساواة, واللفظة مأخوذة من القصة والقصص بمعني تتبع الأخبار, ومن قص الأثر بمعني تتبع صاحبه,و(القصاص) شرعا هو تتبع الدم بالقود, بمعني أن يعاقب المجرم بمثل فعله, فيقتل كما قتل, إذا كان قد قتل عمدا, ويجرح كما جرح إذا كان قد جرح عمدا, وذلك من منطلق المساواة بين الجريمة والعقاب.والقصاص هو جزاء وفاق للجريمة المتعمدة يقوم به ولي الأمر أو من ينيب عنه, وليس المجني عليه أو وليه, فالقتل اعتداء علي النفس الإنسانية, ومن العدالة أن يقتص ولي الأمر ( أو من ينيب عنه) من القاتل المتعمد بمثل فعله, ولا يجوز ترك ذلك لولي الدم وإلا عمت الفوضي كما لا يجوز تعطيل القصاص بدعوي الرحمة بالجاني, لأن القاتل إذا كان قد حرم أحدا من الحياة فمن العدل المطلق أن يحرم منها, وذلك انتقاما للمقتول, وشفاء لغيظ قلب وليه, وبالتالي يتم الحفاظ علي حياة المجتمع كله.. ولذلك قال_ تعالي-: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة:179).من هنا تتضح الحكمة من فرض القصاص حتي لا تسود الفوضي في المجتمعات الإنسانية وتنتشر فيها اضطرابات القتل والقتل المضاد( أي الأخذ بالثأر) في دوامات مهددة لسلامة المجتمع وأمنه, تضيع فيها أرواح الأبرياء بالعشرات إن لم يكن بالمئات, ولا تنتهي إلا بالقضاء العادل بين الناس وذلك بتطبيق القصاص.ومن أوجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة التي نحن بصددها ما يلي:(1) أن فائدة تطبيق القصاص تشمل المجتمع كله وليست مقصورة علي أولياء الدم, ومن هنا جاء الخطاب إلي الجماعة بتعبير( ولكم).(2) أن القصاص يضمن المساواة بين الجريمة والعقوبة, مما يجعله مانعا قويا لاطراد الجريمة في المجتمع, ويجعل منه سدا منيعا أمام إهدار الدماء الذي يهدد حياة الجماعة بالفناء في عمليات من الثأر المتبادل.(3) أن إيراد لفظة( حياة) بغير( أل) التعريفية هو من قبيل التأكيد علي أن الحياة الآمنة من الجريمة هي الحياة الحقيقية, فمن عرف أنه إذا قتل عامدا فإنه سوف يقتل فإنه بالقطع سوف يحافظ علي حياة غيره صونا لحياته هو, وسوف يتردد ألف مرة إذا سولت له نفسه الإقدام علي جريمة قتل.(4) أن الخطاب في الآية الكريمة موجه إلي أولي الألباب أي: أولي العقول والنهي, وذلك للتأكيد علي أن الحكمة من هذا التشريع الإلهي لا يدركها إلا عقلاء الناس من أصحاب البصيرة الذين يعلمون أن أمن الجماعة هو أمن لكل فرد فيها, ومن هنا كانت التضحية بفرد مجرم فيه سلامة الجميع, وهذا جانب واحد من حكمة تشريع القصاص.(5) أن قيام ولي الأمر( أو من ينيب عنه) بتنفيذ القصاص فيه حفظ لأمن وسلامة المجتمع, وصون لدماء الأبرياء من أفراده, لأنه إن لم يقم بذلك ولي الأمر بدأت دوامة الثأر والثأر المضاد التي قد لا تتوقف لعدد من الأجيال المتتابعة التي يعين شياطين الإنس والجن علي إشعال الفتن فيها.وهذا النوع من القصاص يؤكد اهتمام الإسلام بالنفس الإنسانية, وتحريمه إيذائها بالقتل أو بالتشويه, لأن الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم, ولأن الحق في الحياة الآمنة هو حق ثابت لكل فرد في المجتمع الإنساني, وعلي كل معتد أن يلقي جزاءه من نفس العمل. فإذا علم الفرد في المجتمع أنه إذا أقدم عامدا متعمدا علي قطع يد فرد آخر في المجتمع فإن يده سوف تقطع كان في ذلك رادعا كافيا لمنعه من ارتكاب تلك الجريمة.كذلك يشرع القصاص في كل من اللطمة والضربة والسبة, وفي غير ذلك من الأضرار التي قد يتعرض لها الفرد قي المجتمع وذلك بشرط المكافأة والمساواة في تطبيق القصاص, علي ألا يتسبب ذلك في ضرر أكبر. ويشترط في قصاص السب ألا يكون بشيء محرم. والقصاص لا يكون إلا في العدوان المقصود المتعمد, ولا يتحقق ذلك إلا ممن كان كامل الأهلية, حر الإرادة, علي ألا يكون الفعل بحق, أي أن يكون للفاعل حق فيما أقدم عليه مما قررته الشريعة الإسلامية, كأن يكون القتل دفاعا عن النفس أو المال أو العرض.وفي القصاص لا يقتل القاتل إلا بعد أخذ رأي أهل القتيل فيه, فإن طلبوا قتله أمر ولي الأمر بقتله, ويكون القتل كفارة له, وإن عفوا عنه أمر ولي الأمر بالعفو عنه بعد أن يدفع الدية ( التعويض المادي), وعليه الكفارة, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن لم يجد فعليه صوم شهرين متتابعين.ويثبت الحق في القصاص باعتراف القاتل, أو بشهادة رجلين يعرف عنهما الصلاح والتقوي. وقد فصل الأخ الكريم الدكتور السيد مصطفي أحمد أبو الخير الخبير في القانون الدولي قضية القصاص في مقاله المعنون:' رائعة التشريع الجنائي الإسلامي في القصاص' والذي تطرق فيه إلي تفصيلات هذا الحكم الشرعي وبيان جوانب من فضله وعدله.وفي ظل الحضارة المادية المعاصرة, التي يقيس فيها أغلب الناس بمعاييرهم البشرية القاصرة, حاول بعض المتعالمين التطاول علي حد القصاص, معتبرين أن قتل النفس الإنسانية لا يليق أن يمارسه المجتمع في عصر التنوير الذي يدعونه, وهو في الحقيقة عصر الظلام, لأن الإنسان أذا عاش بأحكامه هو, متجاهلا أحكام خالقه, فإنه لا يمكنه أبدا أن يري النور أو أن يحقق العدالة الاجتماعية.وانطلاقا من هذه الفلسفة المادية المحضة بدأت بعض الدول الأوروبية في إلغاء عقوبة الإعدام, فألغت بلجيكا العقوبة عمليا في سنة(1863 م) وتبعتها هولندا سنة(1870 م), ثم إيطاليا(1890 م), والنمسا(1918 م), ثم كل من ألمانيا والدنمارك(1930 م), وتابعتها في ذلك بقية الدول الغربية بالتدريج. ففي سنة(1964 م) أصدرت بريطانيا قانونا بإلغاء الإعداموفي مقال بعنوان' ماذا جري في البلاد التي ألغت عقوبة الإعدام؟' لخص الدكتور حافظ يوسف ما نشرته مجلة ريدرز دايجست(READERSDGEST) في سنة(1995 م) تحت عنوان' الجريمة في أمريكا هل تسير إلي الأسوأ ؟' جاء فيه: أنه بعد عشر سنوات من دراسة الجريمة في أمريكا توصل إلي ما يلي:(1) أن ثلث من أدينوا بجريمة القتل في الولايات المتحدة الأمريكية كانوا من معتادي الإجرام الذين أفرج عنهم تحت نظام التعهد أو نظام الوضع تحت الرقابة.(2) أن الذين أفرج عنهم سنة(1992 م) ممن أدينوا بجريمة قتل قضوا في المتوسط(5,9) سنة فقط من متوسط أحكام بلغت(4,12) سنة.(3) في مدينة نيويورك تم الإفراج المبكر عن مجرم اعتاد اغتصاب النساء بدعوي حسن سلوكه في داخل السجن.(4) تضاعفت فرص تعرض الفرد ليكون ضحية لجريمة عنف عدة مرات خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.(5) رغم الارتفاع الرهيب لمعدل الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا فإن هذا المعدل يزداد سوءا باستمرار. ففي ديسمبر(1996 م) سجلت' هيئة العدالة للجميع'( وهي هيئة أمريكية) علي شبكة المعلومات الدولية( الإنترنت) تقريرا مفصلا جاء فيه:- إنه خلال ثلاثين عاما( من1966-1995 م) وقعت خمسمائة وسبعون ألف(000,570) جريمة قتل في الولايات المتحدة الأمريكية( بمتوسط حوالي عشرين ألف جريمة سنويا) لم ينفذ حكم الإعدام فيها إلا في ثلاثمائة مجرم فقط بنسبة(053-0%).- إنه في الفترة بين عامي(1973 م),(1995 م) تم إصدار الحكم بإعدام(5700) قاتل ولكن لم ينفذ الإعدام إلا في(230) فقط من هؤلاء القتلة.كذلك أظهر استقصاء قام به معهد جالوب(GALLOP) في الولايات المتحدة الأمريكية سنة(1991 م) أن(76%) من الجمهور الأمريكي يحبذون تطبيق عقوبة الإعدام علي مستحقيها, في حين يعارضها(18%) فقط, بينما كانت هذه النسب سنة(1966 م) علي عكس ذلك, فقد كان المحبذون لتطبيق عقوبة الإعدام(42%) والمعارضون لذلك(47%).من هذا الاستعراض يتضح لنا وجه من أوجه الإعجاز التشريعي في كتاب الله وذلك بفرض القصاص الذي قال فيه ربنا تبارك ـ وتعالي ـ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *) ( البقرة:179,178).وفي ذلك يقول صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم):' إن الغضب للدم فطرة وطبيعة, فالإسلام يلبيها بتقرير شريعة القصاص. فالعدل الجازم هو الذي يكسر شره النفوس, ويفثأ حنق الصدور, ويردع الجاني كذلك عن التمادي, ولكن الإسلام في الوقت ذاته يحبب في العفو, ويفتح له الطريق, ويرسم له الحدود, فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص دعوة إلي التسامي في حدود التطوع, لا فرضا يكبت فطرة الإنسان ويحملها ما لا تطيق'.من ذلك كله يتضح وجه الإعجاز التشريعي في فرض القصاص الذي يحقق للمجتمعات الإنسانية فرصة الحياة الآمنة وهي الحياة الحقة لأن الحياة بلا أمن هي عين الشقاء.فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
| |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:22 am | |
| من أسرار القرآن: (350)-( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *) (المائدة:33) بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أول الربع الثاني من سورة' المائدة' وهي سورة مدنية,وآياتها مائة وعشرون(120) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, ومن أواخرها نزولا. وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي انزلها الله-تعالي- من السماء كرامة لعبده ونبيه المسيح عيسي بن مريم_ علي نبينا وعليه من الله السلام- ورضي الله عن أمه البتول.هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة' المائدة' وما جاء فيها من التشريعات,وركائز العقيدة,والإشارات العلمية,ونستعرض هنا جانبا من جوانب الإعجاز التشريعي في' حد الحرابة' وهو حد من حدود الله الذي طبق في ظل الدولة الإسلامية.تعريف الحرابةتعرف' الحرابة' بأنها جريمة قطع الطريق علي سالكيه الآمنين بغرض إرهابهم وقهرهم, أو نهب أموالهم, مجاهدة علي سبيل المغالبة والقهر, أو بالتحايل والمكر وبالخداع والغدر, أو بغرض قتلهم دون نهب الأموال وهو ما يعرف باسم' قتل الغيلة' أو من أجل الاعتداء علي أعراضهم عنوة واغتصابا, ويطلق علي' الحرابة' اسم( السرقة الكبري).وكل من يقوم بأي من هذه الجرائم أو بها مجتمعة هو' محارب' لله ولرسوله ولجماعة المسلمين, سواء كان فردا أو جماعة,مسلحا أو غير مسلح, ما دام مكلفا ملزما, وثبتت عليه الجريمة ثبوتا لا يرقي إليه شك وكل من يعين هذا المحارب بأي شكل من الأشكال من مثل التحريض, أو الاتفاق, أو الرصد أو الإيواء أ غير ذلك من صور العون يعتبر عند كثير من الفقهاء شريكا له في الجريمة, ويحمل وزرها وإن رأي الإمام الشافعي ألا يعتبر محاربا إلا المباشر للحرابة بنفسه.حد الحرابةيقول ربنا-تبارك وتعالي- في محكم كتابه:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *) ( المائدة:33) وقد اختلف الفقهاء في تفسير دلالة الحرف( أو) الواردة في هذه الآية الكريمة, فمنهم من يري أنها جاءت للبيان والتفصيل, وبالتالي يرون أن العقوبات جاءت مترتبة علي قدر الجريمة هل هي مجرد إخافة السبيل دون أن يسلب مالا أو يقتل نفسا, أو هي سلب المال فقط, أو قتل النفس فقط, أو نهب المال وقتل النفس معا, وجعل لكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة بعينها من هذه العقوبات الأربع التي فصلتها الآية الكريمة. ومن الفقهاء من رأي أن الحرف( أو) جاء للتخيير فترك لإمام المسلمين أن يوقع العقوبة بحسب ما يراه ملائما لتكييف الجريمة, وهذا الخيار مطلق عند بعض الفقهاء, ومقيد بقيود عند البعض الآخر في تفاصيل لا يتسع المقام لعرضها. وفصلها صاحب كتاب' التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي' ( رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم).كذلك اختلفت التفاسير في فهم دلالة النص القائل:(أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ) (المائدة:33 ) هل هو التغريب أي التشريد بالطرد من ديار الإسلام( بمعني إسقاط الجنسية في عصرنا الحاضر) أو هو السجن لمدة محددة أو مطلقة حتي يظهر توبته وينصلح حاله,أو هو القتل أو الصلب, والمعني الأول هو الراجح. فإذا أخذ المحارب المال لا غير كان جزاؤه أن تقطع يده اليمني ورجله اليسري عند أغلب الفقهاء, وإذا قتل المحارب ولم ينهب مالا فيري عدد من الفقهاء أن عقوبته هي القتل حدا دون صلب. وإذا قتل المحارب ونهب المال كان عقابه القتل والصلب معا, علي أن يصلب المحارب علي خشبة بقدر ما يشتهر أمره, ردعا له, وزجرا لغيره, ثم يقتل, لأن العقوبة لا تقع علي ميت, ومن قطع الطريق وأرهب الناس ولكنه لم يقتل أحدا, ولم ينهب مالا فعقابه النفي من الأرض التي أجرم فيها. ويري أغلب الفقهاء أن الإمام مخير في كل العقوبات المقررة في آية الحرابة بحسب حجم الجريمة وما تقتضيه المصلحة العامة. ولا يجوز رفع العقوبة سواء عفا الأولياء وأرباب الأموال أو لم يعفوا, وسواء أبرأوا من المحارب أو صالحوا عليه, وليس للإمام إذا ثبت الحد عنده أن يتركه أو يسقطه أو يعفو عنه لأن الحد واجب التطبيق لأنه من حقوق الله-تعالي- وفي ذلك يقول المصطفي-صلي الله عليه وسلم-:"إقضوا الله فهو أحق بالوفاء,دين الله أحق أن يقضي", ويقول:" كتاب الله أحق وشرط الله أوثق".وكلما أمكن للمجني عليه أن يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله استوفاه, وكلما سقط كانت له الدية. وإذا تداخلت الأفعال من نوع واحد فيكتفي فيها بعقوبة واحدة, وإذا اختلفت كانت العقوبة الأشد هي الواجبة وفيها الكفاية. من الإعجاز التشريعي في حد الحرابة
الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم يصفه ربنا- تبارك وتعالي- بقوله العزيز: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ( الإسراء:70) ومن حق هذا المخلوق المكرم أن يحيا وهو آمن علي نفسه وماله وعرضه وعقله ودينه, وهي الضرورات الخمس التي تعارفت عليها المجتمعات الإنسانية. ولكن الإنسان- ذلك المخلوق المكرم- هو أيضا مخلوق صاحب إرادة حرة, وهذه الإرادة الحرة قد تقوده إلي الارتقاء المتنامي نحو الالتزام بمكارم الأخلاق في مجاهدة مستمرة مع النفس نحو الفضيلة من أجل الوصول إليها, وقد تقوده إلي الانحراف عن الطريق السوي حتي ترميه في أوحال الرذيلة, وقد وصف لنا القرآن الكريم ذلك بقول ربنا- تبارك وتعالي- :(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) ( الشمس:7-9)فالذي يجاهد نفسه من أجل تزكيتها يعرف طريق الفضيلة ويلزم نفسه بها داعيا إلي المثل العليا ودافعا عنها حتي ترسخ قواعدها في ذاته وفي المجتمع الذي يحيا فيه, فيحب الناس جميعا كحبه لذاته وأهله ووطنه, ويسعي جاهدا من أجل إسعاد غيره كما يسعي لإسعاد نفسه وأهله.والذي أتبع هوي نفسه فأخفي فضائلها, وطمس استعدادها للخير, وغير من الفطرة التي فطره الله- تعالي- عليها فملأها بحب الشر وكراهية الخير, وبالحقد علي الغير وبكراهية الناس عامة,وبحب إيذائهم والإضرار بهم, حتي يجعل من مناصبة مجتمعه العداء, ومن معارضة الخير العام له غرضا يسعي إليه متعمدا, ويجعل من وجوده عامل دمار وخراب وهدم لهذا المجتمع الذي يحيا فيه, والذي لا يري توافقا بين خيره وخير الجماعة البشرية التي يعيش بينها فيسعي جاهدا لتدميرها, ويعلن الحرب بلا هوادة عليها حتي ينتهي به الأمر إلي ممارسة الجرائم ضدها فلا يبقي أمام جماعته من حل, سوي نفيه من حظيرتها نفيا جزئيا أو كاملا بإنزال العقوبات به أو القضاء التام عليه قبل أن يقضي علي مجتمعه الذي يتحرك فيه علي غير هدي فيمتلئ بالرذائل وتفيض تصرفاته بالخطايا والجرائم, وإذا كانت حياة الأفراد من غير الأنبياء والمرسلين لا تخلو من الخطايا, فخطايا المرء هي ظل فضائله كما في بعض الأقوال ومردود كل من الرذيلة والخطيئة يعود علي الشخص نفسه, إلا أنه من الصعب الفصل بين حياة الفرد والحياة العامة للمجتمع الذي يحيا فيه, أما الجريمة فهي الجناية علي الآخرين, وإذا أخذت بعدا جماعيا كانت المحاربة للمجتمع كله( الحرابة),وجزاء كل خارج علي سلطان الحاكم المسلم المقيم لشريعة الله, وكل مروع للآمنين من عباد الله في دار الإسلام, وكل معتد علي أموالهم, أو دمائهم, أو أعراضهم أن يقتل, أو يصلب ثم يقتل, أو أن تقطع يده اليمني ورجله اليسري, أو ينفي من الأرض عقابا له علي جرائمه وردعا لأمثاله من بعده, وللفقهاء في ذلك تفصيل لا يتسع المجال لسرده, وإن كان الهدف من العقوبة هو التغليظ علي المفسدين في الأرض الذين يروعون الآمنين في المجتمع المسلم ويفزعونهم بغير حق, وذلك منعا لتكرار جرائمهم, وهذا العقاب الصارم الذي يلقونه في الدنيا لا يسقط عنهم العذاب في الآخرة, ولا يطهرهم من فظاعة ما اقترفوه في الدنيا كما هو الحال في بعض الحدود الأخري. وهذا تغليظ للعقوبة, وتبشيع للجريمة حتي لا يقع فيها غيرهم. أما إذا استشعر كل خارج علي القانون, قاطع للطريق, ومفسد في الأرض حجم جريمته, فتاب إلي الله وأناب قبل أن تناله يد القانون والسلطان سقطت جرائمه وعقوبتها, وفوض أمره إلي الله الغفور الرحيم.وقد تجرأ كثير من غير المسلمين ومن بعض المتغربين من أبناء المسلمين علي حد الحرابة باعتباره حدا موسوما بالقسوة, فاستهجنوه وطالبوا بإلغائه حتي تم لهم ذلك في الغالبية العظمي من ديار المسلمين بدعوي التحضر ومسايرة العصر, وهي حجة مدحوضة, وإنكار لمعلوم من الدين بالضرورة, ومنكر ذلك يخرج نفسه من الملة, وعلي المترخصين في ذلك أن يعلموا ألا رخصة لهم فيه, وأن هذا الحد هو من حدود الله-تعالي ـ التي أنزلها لعباده, وهو أعلم بهم, وبما يصلحهم وهو ـ سبحانه وتعالي ـ أحكم الحاكمين.والحد من حدود الله ـ تعالي ـ هو عقاب علي جريمة, والجريمة لا توقف إلا بالعقاب الذي قد يكون للإصلاح, أو للعظة والعبرة, أو للردع والزجر, أو للانتقام تحقيقا للعدالة, وهي هنا لكل ذلك, ففيها إصلاح للمجتمع بتخليصه من عتاة المفسدين فيه, وفيها عظة وعبرة لأبناء المجتمع بأسره, وفيها الردع والزجر الكافيين لكل من تسول له نفسه الوقوع في هذا الخطأ, وفيها انتقام من المجرم الجاني الذي يجب أن يدرك أن الإيذاء الذي سببه لغيره من الأبرياء جلب له الوبال علي نفسه حتي يكون في ذلك تشنيع للجريمة التي ارتكبها وردع لغيره عن ارتكاب مثل ما ارتكب, لأن القصاص الرادع هو أفضل العقوبات, وأن استئصال النفوس الضالعة في الشر والجريمة الممتلئة برغبات الإفساد في الأرض هو خير وقاية للمجتمعات الإنسانية من الانهيار والفوضي, وهو صمام الأمان لسلامتها واستقرار أمورها لأن أمن الجماعة أهم من شهوات الفرد الجانحة ورغائبه المنحرفة التي لا سبيل إلي تقويمها أو إصلاحها, ولا علاج لها إلا الاستئصال والبتر من أجل تطهير المجتمع وسلامته وأمنه, فعلماء النفس يقسمون المجرمين إلي فئات أربع علي النحو التالي:(1) فئة لا شك في جنونها وهؤلاء لا بد من حجزهم وعزلهم عن المجتمع.(2) فئة تصاب بشيء من النوبات والاضطرابات العصبية, وهؤلاء يحتاجون إلي العلاج النفسي.(3) وفئة تتبع المبادئ الخاطئة مع الاعتقاد الجازم بأنها صواب وهؤلاء يكون علاجهم بالحبس والإصلاح لإقناعهم بفساد آرائهم عن طريق المحاجة المنطقية الهادئة.(4) فئة مستهترة ماجنة لا تكترث بالقيم الأخلاقية والسلوكية للإنسان ولا بحرمة الجماعة التي ينتسبون إليها, ويعيشون بين ظهرانيها, وهؤلاء يتفاوت عقابهم بتفاوت أحجام جرائمهم, فيبدأ بمحاولات الإصلاح مرورا بالتعزير, والسجن, والتجريم, والتغريم المالي, والقطع للأطراف إلي القطع من خلاف إلي الصلب والقتل أو التشريد والنفي.والحد الشرعي هو عقاب من الله ـ تعالي ـ للمجرم علي اقتراف جريمته وهو عقاب متكافئ مع حجم الجريمة, لأن الجريمة لا يوقفها إلا العقاب الرادع, والعقاب لا يكون رادعا إذا اتصف بالرخاوة والضعف. ولولا أن الله-تعالي- قد حد الحدود, وأنزل العقوبات الرادعة لفسدت الأرض, وعمتها الفوضي والخراب والدمار, وضاعت منها نعمة الأمن والأمان, ونهبت الحقوق والممتلكات, وانتهكت الحرمات, وتعطلت مصالح الناس بالكامل.وشريعة الله حاربت الجريمة والمجرمين, والإفساد في الأرض والمفسدين, وحرمت العدوان علي الآمنين, وأنزلت أشد العقوبات للذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا, وينشرون الخوف والفزع بين الآمنين جزاء عادلا فاضحا لهم في الدنيا, وتهددهم في الآخرة بالعذاب العظيم. ولم يشرع ذلك ظلما للناس أو إذلالا لهم, وإنما شرع عقابا مكافئا للمعتدين,وردعا وزجرا وعظة وعبرة للمعتبرين حتي لا يقعوا فيما وقع فيه المعتدون من جرائم, ودعوة للمسلمين أجمعين بضرورة المحافظة علي أمن مجتمعاتهم من الضياع, والذي إذا فقدوه فقدوا كل شيء في حياتهم, وذلك لأن المعتدي إذا لم يجد من شرائع الله ما يمنعه من اعتدائه وعدوانه علي غيره فإنه يعيث في الأرض فسادا, ويزيد من طغيانه علي الآمنين من قومه وإفزاعه لهم مما يقضي علي استقرارهم, وسلامتهم, وينشر الخوف والفزع والاضطراب بينهم, وهي من الأمور المهلكة للمجتمعات الإنسانية, والمتسببة في انهيارها وخرابها بالكامل.من هنا تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في حد الحرابة لأنه إذا اكتفي المشرع في عقاب المحارب بالسجن أو الغرامة المالية فقط فإنه سرعان ما يعاود الكرة إلي جريمته بمجرد خروجه من السجن أو حاجته إلي المال, بينما إذا التزم المشرع بحدود رب العالمين, وأقام شرعه وأنزل أوامره في عقاب المحاربين حقق للمجتمعات الإنسانية ما تصبو إليه من أمن وأمان, ومن صون لحقوق العباد, ومصالحهم من عبث العابثين, واستهتار المستهترين, وطمع الطامعين, وجشعهم من أصحاب النفوس المريضة, وإذا تم للمجتمع الإسلامي ذلك اختفت منهم طبقة المحاربين لله ورسوله في مختلف أرجاء الأرض, ولن تتوقف مسلسلات الخروج علي المجتمع إلا بالنزول عند أوامر رب العالمين, وتطبيق شرعه, والالتزام بحدوده في كل أمر من الأمور, والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل.
| |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| | | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:23 am | |
| الحج يعني قصد مكة المكرمة لأداء عبادة الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع, ولو مرة واحدة في العمر؛ وذلك استجابة لأمر الله, وابتغاء مرضاته, وهو أحد أركان الإسلام الخمسة, وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة, وحق لله ـ تعالى ـ على المستطيعين من عباده ذكوراً وإناثاً لقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ﴾ ( آل عمران:97) .سئل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ:"أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا؟ قال : ثم جهاد في سبيل الله, قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور ـ أي الذي لا يخالطه إثم ." (أخرجه الإمام أحمد) أولاً : من مقاصد الحج: لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حِكَم عديدة منها : أولا: تعريض كل من حج البيت ـ ولو لمرة واحدة في العمر ـ لكرامة أشرف بقاع الأرض( مكة المكرمة), في أشرف أيام السنة( الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة), قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ:"ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل: هن أفضل, أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ . قال ـ صلى الله عليه وسلم : ـ هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله, وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة, ينزل الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى السماء الدنيا, فيباهي بأهل الأرض أهلَ السماء فيقول:" انظروا إلى عبادي, جاءوني شُعْثاً غُبْرا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق, يرجون رحمتي ولم يروا عذابي"، فلم يُرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ."ومن تفضيل الأماكن, فضل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض, ومن بعدها فضَّل مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن بعدها فضَّل بيت المقدس، كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان ، تضاعفت البركات والأجور إن شاء الله . ومن هنا كان من حِكَم فريضة الحج ـ بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهي ـ تعريض كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع ـ ذكراً كان أو أنثى ، ولو لمرة واحدة في العمر ـ لبركة أشرف بقاع الأرض ـ الحرم المكي الشريف ـ في بركة أشرف أيام السنة ـ الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة .ومن أقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم في شرف مكة المكرمة ما يلي:· "هذا البيت دعامة الإسلام, فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر, كان مضموناً على الله, إن قبضه أن يدخله الجنة, وإن ردَّه, ردَّه بأجر وغنيمة" .· "العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" . (أخرجه الإمامان البخاري ومسلم).· "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة, وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" .ثانياً : - تذكير الحاج بمرحلية الحياة, وبحتمية الرجوع إلى الله ـ تعالى ـ :على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله ـ تعالى ـ على جميع خلقه والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة, وعلى الرغم من إيماننا ـ نحن معشر المسلمين ـ بحتمية البعث والحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة القادمة، إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً، إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين. يبقى الموت مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ ويبقى الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه, وإعراضهم عن ذكره, وقلة تفكرهم فيه, وانصرافهم عن العمل له, وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت . وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله ـ تعالى ثالثا:تذكير الإنسان بمحاسبة نفسه قبل أن يُحاسب وذلك انطلاقا من الأعمال الإجرائية قبل القيام برحلة الحج و منها ما يلي :1ـ التوبة إلى الله ـ تعالى ـ من الذنوب والمعاصي. 2ـ وصل كل مقطوع من صلات الرحم . 3ـ قضاء الديون ورد المظالم وغير ذلك من حقوق العباد لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم ـ: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم, من قبل ألا يكون دينار ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " ( البخاري) . 4ـ أن يتعلم إخلاص النية لله-تعالى-لأن النية بالحج لابد أن تكون خالصة لله ـ تعالى ـ في صدق وإخلاص تامين، ومتجردة عن كل هوى وسمعة. 5- التمسك بالحلال والهروب من الحرم لأن نفقات الحج لابد أن تكون من أجل حلال المال.6- الحرص على تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج . 7- كتابة الوصية وتوضيح كافة الحقوق فيها . وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للنفس تهيئة كاملة لعملية مفارقة الحياة الدنيا، والرجوع إلى الله ـ تعالى ـ والاستعداد لحساب القبر وجزائه, ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر، وتلقي الحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة الآخرة، إما في الجنة أبداً، أو في النار أبداً .رابعا:التدرب العملي على مفارقة الحياة الدنيا: 1ـ غسل الإحرام يذكر الحاج بغسله ميتاً وهو لا يملك لنفسه شيئاً بين أيدي مغسله, وهو رمز للتطهر من الذنوب والآثام . 2- والإحرام يذكر الحاج بالخروج من الدنيا بلا أدنى زينة أو ملك، كما يذكره بالكفن الذي سوف يُلف فيه جسده بعد تغسيله . 3ـ والنية عهد بين العبد وربه . 4- الوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله الذي حدده الله ـ تعالى ـ وباللحظة التي سوف يفارق فيها الحياة الدنيا. والانتقال من الحِلَّ إلى الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة عبر الموت, والتلبية نداء إلى الله، واستنجاد برحمته، واحتماء بحماه . 5- والطواف حول الكعبة المشرفة يذكر بضرورة الانتظام مع حركة الكون في خضوعه لأوامر الله ـ تعالى ـ وانصياعه لقوانين هذا الخالق العظيم وسننه، في عبادة وذكر دائمين, كما أن بداية الطواف ونهايته تؤكد أن بداية الأجل ونهايته، والرَّمَل والاضطباع في طواف القدوم إحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم . 6- والصلاة في مقام إبراهيم تذكر بجهاد الأنبياء والمرسلين، وبمقام الصالحين عند رب العالمين . 7- والشرب من ماء زمزم يؤكد قدرة رب العالمين التي لا حدود لها، ولا عائق يقف في سبيلها من أجل إكرام عباده الصالحين . 8- والسعي بين الصفا والمروة يذكر بأم إسماعيل –عليها وعليه من الله السلام - وهي تركض بين هذين الجبلين؛ بحثاً عن الماء لصغيرها، ونتيجة لإخلاصها . ولثقتها في ربها أكرمها الله ـ تعالى ـ بجبريل يضرب أرض مكة المكرمة بجناحه، أو بعقبه فيفجر ماء زمزم من صخور مصمطة لا مسامية لها . 9- والنفرة إلى منى ثم إلى عرفات تذكر بيوم البعث في زحامه وشدته . 10- والوقوف بعرفات يذكر بالحشر وبالعرض الأكبر بين يدي الله ـ تعالى ـ وبالحساب . 11- والمبيت بالمزدلفة يذكر بآلاف الأنبياء ومئات المرسلين الذين حجوا من قبل، والذين نزلوا بهذا المنزل؛ تأكيداً على وحدة الدين، وعلى الأخوة بين أنبياء رب العالمين، وإحياءً لسنة خاتمهم أجمعين ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين . 12- والنحر والحلق أو التقصير يذكران بفداء الله لنبيه إسماعيل؛ إكراماً لطاعته وطاعة أبيه إبراهيم ـ عليهما السلام ـ لأوامر رب العالمين، وإحياءً لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، ورمزاً للتطهر من الذنوب والآثام . 13- ورمي الجمار تأكيد على حتمية انتصار العبد المؤمن على الشيطان في هذا الصراع، والرجم رمز لذلك الانتصار، وعهد مع الله ـ تعالى ـ على تحقيقه. 14- والتحلل من الإحرام وطواف كلٍ من الإفاضة والوداع رمز لانتهاء هذه الشعيرة العظمى، وعودة إلى دوامة الحياة من جديد بذنب مغفور، وعمل صالح مقبول، وتجارة مع الله ـ تعالى ـ لن تبور. ومن هنا كان واجب الحاج أن يبدأ مع ربه صفحة جديدة، إطارها الفهم الصحيح لرسالة الإنسان في هذه الحياة : عبداً لله يعبده ـ سبحانه وتعالى ـ بما أمر، ويجاهد بصدق من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها، وإقامة دين الله وعدله على سطحها, والدعوة إلى هذا الدين بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من عذاب نار جهنم . 15- وجموع الحُجَّاج من كل عرق ولون وجنس ولغة يتحركون في موكب واحد لأداء هذه الفريضة الكبرى؛ تأكيداً على وحدة الجنس البشري المنبثق من أب واحد وأم واحدة ، هما آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام ـ وتأكيداً على وحدة رسالة السماء ـ وهي الإسلام العظيم ـ وعلى الأخوة بين الأنبياء، وعلى وحدانية رب السموات والأرض بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد, والخالق منزه تنزيهاً كاملاً عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله . خامسا: خروج الحاج من هذه الرحلة المباركة بعدد من الخصال الحميدة التي منها ما يلي: 1- الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة؛ وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت, وليس معنى ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا؛ لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها ولكن ليس على حساب الآخرة . 2- اليقين بأن الحج يطهِّر من الذنوب والآثام انطلاقاً من قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " (رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم) . ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ حين قدم لمبايعته : " أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله ؟ " ( رواه الإمام مسلم) . وانطلاقاً من هذا اليقين، كان واجباً على كل من أدَّى فريضة الحج الحرص الشديد على عدم الوقوع فى معاصي الله . 3- الحرص على أداء العبادات المفروضة في وقتها، وعلى الإتيان من النوافل قدر الاستطاعة . 4- التمسك بطهارة النفس، واستقامة السلوك، وعفة اللسان، وغض البصر، والتحكم في الشهوات والرغبات والأهواء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس, وصدق الحديث, ورقة التعامل مع الآخرين, والتواضع للخلق, وحسن الاستماع والاتباع, والاحتشام في الزى والهيئة, وإخلاص السرائر, واجتناب سوء الظن بالآخرين في الأحكام عليهم, والتوسط والاعتدال في كل أمر, والثبات على الحق ، والمجاهدة من أجل نصرته، وتحمل تكاليف ذلك, والحرص على العمل الصالح ، والتنافس فيه حتى يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره . 5- الحرص على التزوُّد من العلوم الشرعية, والتفقه في الدين, والالتزام بما يتعلمه؛ وذلك لأن الإسلام دين لا يُبنَى على جهالة, وإنما يُبنَى على علم والتزام . ومصدرا التلقي للمسلم هما كتاب الله وسنة رسوله, وعلى كل مسلم أن يجتهد في التعرف على أوامر الله ـ تعالى ـ ويُلزِم نفسه وأهله بها, وفي التعرف على نواهيه فيجتنبها ويحاربها, فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر كما قال ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ (النحل:43) 6-الحرص على الكسب الحلال, وعلى طيب المَطْعَم والمشرب, وعلى البعد كلَّ البعد عن الشبهات والمحرمات . 7- المواظبة على الصحبة الطيبة, وعلى التزام جماعة المسلمين, وعلى الولاء لهم, والبراء من غيرهم ، وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (الكهف:28).8- الاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى, ومن أبرزها قضايا الأمية بشقيها ( أمية القراءة والكتابة وأمية العقيدة ) وقضايا الحريات وقضايا التخلف العلمي والتقني, وتفشي كلٍ من الفقر والمرض، وقضايا تحرير أراضى المسلمين المحتلة من مثل أراضى كل من فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وجنوب الفلبين، وأركان، وسبته ومليلية وجزيرة ليلى وغيرها من الجزر المغربية. 9- المساهمة الفعالة في الدعوة إلى دين الله بالكلمة الطيبة، والحجة الواضحة، والمنطق السوي. 10- العمل على جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ـ ولو على مراحل متتالية ـ كما حدث في الوحدة الأوروبية .
| |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:24 am | |
| هذا النص القرآني الكريم جاء في نهاية الثلث الثاني من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي تلك المعجزة التي أجراها الله ـ تعالي ـ علي يد عبده ونبيه موسي ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ حين تعرض شخص من قومه للقتل ولم يعرف قاتله, فأوحي الله ـ تعالي ـ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله, ويخبر عن قاتله, ثم يموت إحقاقا للحق, وشهادة الله ـ تعالي ـ بالقدرة علي إحياء الموتى. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة وما جاء فيها من التشريعات, والعبادات, وركائز العقيدة, ومكارم الأخلاق, والقصص, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي بعض أوجه الإعجاز في عبادة الصيام كما جاء ذكرها في القرآن والسنة, وكما أجمله النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال. من أوجه الإعجاز في النص المختار: جاء ذكر الصيام في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة في احدي عشرة آية, موزعة في ست سور هي البقرة:183 ـ196,187),( النساء:92),( المائدة:95,89),( مريم:26),( الأحزاب:35),( المجادلة:4), وجاء ذكر شهر رمضان مرة واحدة في القرآن الكريم كله. وجاءت خمس آيات في سورة البقرة(183 ـ187) عن صيام شهر رمضان, وآية واحدة(196) في صيام كفارة التحلل للمحصر, إذا لم يكن قد اشترط في نية الحج أو العمرة, وجاءت الإشارة إلي الصيام في سورة النساء كفارة للقتل الخطأ للمؤمن إذا لم يستطع القاتل تحرير رقبة مؤمنة ودفع الدية. وجاءت الإشارة إلي الصيام في سورة المائدة مرة بمعني كفارة لليمين, وأخري كفارة لقتل الصيد في أثناء الإحرام بالحج والعمرة أو بهما معا, وجاءت الإشارة إلي الصوم في سورة مريم بمعني الامتناع عن الكلام مع الآخرين, وهي خصوصية كانت لكل من زكريا ـ عليه السلام ـ والسيدة مريم ـ عليها رضوان الله. وجاءت الإشارة إلي الصائمين والصائمات لكل من الفرض والنوافل في سورة الأحزاب, كما جاءت الإشارة في سورة المجادلة إلي الصيام وكفارة للظهار.
وفي سورة البقرة يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183). والخطاب هنا للمؤمنين في زمن البعثة المحمدية الشريفة يخبرهم أن الصيام كتب عليهم كما كتب علي الذين من قبلهم( من لدن آدم إلي زمانهم), وفي ذلك تأكيد علي وحدة رسالة السماء المستمدة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ, وتأكيد كذلك علي أن الله ـ تعالي ـ قد ختم رسالات السماء ببعثة الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ فليس من بعده نبي ولا رسول, لذلك قال ـ تعالي ـ:... كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم.. ويدعم ذلك استخدام الفعل( كتب) بدلا من( شرع) أو( فرض) أو( وصي) لأن هذه الأفعال وقتية, تتعلق بالشرائع الخاصة بأمة من الأمم في زمن من الأزمان, لكن الفعل( كتب) يشير إلي ثبات الحكم إطلاقا, بمعني أن صيام شهر رمضان المبارك بالهيئة التي حددها لنا كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كان مكتوبا علي الأمم من قبلنا كما هو مكتوب علينا, وإن انحرف أهل الكتاب عنه, وابتدعوا فيه ما لم ينزل به الله سلطانا. والصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب وعن غيرهما من المفطرات نهارا كاملا من طلوع الفجر الصادق, إلي غروب الشمس, والصيام منه المفروض وهو صيام شهر رمضان أداء وقضاء, وهو ركن من أركان الإسلام, ومنه صيام الكفارات, والصيام المنذور, وهناك الصيام المسنون أو المندوب, ومنه الصوم في شهر المحرم( وأفضله التاسع والعاشر منه), والصيام في رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم, ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر, ويندب أن تكون هي الأيام البيض( أي: الثالث عشر إلي الخامس عشر من الشهر العربي), كما يندب صوم التاسع من ذي الحجة( يوم عرفة) لغير القائم بأداء الحج, ويندب صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع, وصوم ست من شوال مطلقا, وللقادر علي صيام يوم وإفطار يوم أفضل أنواع الصيام المندوب. أما الصيام المكروه فهو إفراد يوم الجمعة وحده, أو يوم معلوم من أيام أصحاب المعتقدات الفاسدة وحده بالصيام, ومن المكروه وصل الصيام في شعبان بصوم رمضان. ومن الصيام المحرم صيام يوم العيدين( عيد الفطر وعيد الأضحي), وصيام أيام التشريق, وصيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها, ومنه صيام الدهر, وصوم الوصال( وهو مواصلة الإمساك نهارا وليلا), ومنه صوم الصمت( أي الامتناع عن الكلام لفترة طويلة).
أوجه الحكمة من الصيام: وأوجه الحكمة من الصيام عديدة, منها ما يلي: 1- تقوي الله, لذلك ختمت الآية الكريمة بقوله ـ تعالي ـ:.. لعلكم تتقون, والتقوي تعرف بالإيمان بالله الخالق, البارئ المصور, والخضوع لجلاله وحده بالعبودية والطاعة, وخشيته في السر والعلن, وهو ما يعبر عنه بتعبير الخوف من الجليل, والعمل بالتنزيل أي تطبيق القرآن الكريم أمرا واقعا في حياة الناس أفرادا وجماعات, والاستعداد ليوم الرحيل أي: الاستعداد للموت, وهذه القضايا الثلاث تؤصل فهم رسالة الإنسان في هذه الحياة, عبدا لله ـ تعالي ـ يعبده بما أمر, وينفذ أوامره, ويتقي محارمه, ومستخلفا ناجحا في الأرض, مطالبا بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها طيلة عمره( أجله) الذي ليس له من بعده إلا الموت, وحياة البرزخ, ثم البعث والحشر والحساب والجزاء. والذي يصل إلي هذا المستوي من الفهم هو المؤمن الفاقه لدينه, الذي يزيده الصيام طاعة لله, وإيثارا لمرضاته, وتزيده تقوي الله حرصا علي حسن أداء العبادات, ومنها الصيام الذي تحرسه تقوي الله من أي مفسدة لهذه العبادة العظيمة التي قال عنها الله ـ تعالي ـ في الحديث القدسي الذي يرويه المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن ربه: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف, إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.., وقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد. 2 ـ زيادة الإخلاص في قلب الصائم تجعل الصيام خالصا لوجه الله ـ تعالي ـ وتقوية للإرادة عنده بمداومة المقاومة لكل من الجوع والعطش, ولغيرهما من الشهوات والمغريات, ولذلك قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وقال: الصوم جنة أي وقاية من المعاصي ومن النار بحرص الصائم علي غض البصر, وستر البدن, وكف الأذي عن الناس, لذلك قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له. 3 ـ إشعار الأغنياء بما يعانيه الفقراء والمعوزون في المجتمعات الإنسانية من معاناة الجوع والعطش وآلام الفاقه, فيذكرهم ذلك بحقوق المحتاجين عليهم, ويعودهم علي حسن الرعاية لهم, وجاء في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن, فلا رسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة. فشهر رمضان هو شهر تدريب المسلمين علي الجود والكرم والبذل في سبيل الله, وفي ذلك يقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. 4 ـ تذكير المسلمين بمدارسة القرآن الكريم في الشهر الذي أنزل فيه هذا الكتاب العزيز هدي ورحمة للمؤمنين, حتي يتعودوا علي ملازمته في حياتهم قراءة وفهما وتدبرا وتطبيقا واقعا في حياة الناس, ورسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول: الصيام والقرآن يشفعان يوم القيامة للعبد, يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه, ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال: فيشفعان. 5 ـ تعويد الصائم علي ضبط النفس, والبعد بها عن جميع صور الحرام من الغش والاحتيال والظلم والسرقة والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل, وتعويدها علي تقويم السلوك, والالتزام بمكارم الأخلاق, فالرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب, فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. ويقول ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. 6 ـ تعويد المسلم علي الاجتهاد في العبادة: فرائضها ونوافلها, فيجمع إلي الصلوات المفروضة العديد من السنن, ومنها سنة صلاة التراويح, وقيام الليل, والمواظبة علي تلاوة القرآن والتفقه في الدين, وحضور مجالس العلم, وأداء العمرة إن استطاع إلي ذلك سبيلا لقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تقضي حجة معي, وكان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يجتهد في العبادة طوال شهر رمضان ما لا يجتهد في غيره, خاصة في العشر الأواخر منه, فعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: إن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل, وأيقظ أهله, وشد المئزر, وعنها ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتي توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده, وروي الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 7 ـ تعريض المسلم لبركات ليلة القدر التي يصفها القرآن الكريم بأنها خير من ألف شهر( أي: أن العبادة فيها تعدل العبادة في أكثر من83 سنة), ورسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وقال: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, هذا فضلا عن بركات شهر رمضان, وهو الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه صراحة في كتاب الله, والذي اختصه الله ـ تعالي ـ بإنزال القرآن الكريم فيه, فقال ـ عز من قائل ـ: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان( البقرة:185), لذلك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة, وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين. ويؤكد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن جميع ما نعلم من رسالات السماء أنزل في هذا الشهر الفضيل, فقال: أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان, وأنزلت التوراه لست مضت من رمضان, وأنزل الزبور لثلاث عشرة مضت من رمضان, وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان, وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان, وهذا يؤكد مرة أخري وحدة رسالة السماء المنبثقة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ كما يؤكد علي حرمة وكرامة هذا الشهر عند رب العالمين, لذلك قال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه. 8 ـ إحياء روح الجهاد في أمة الإسلام, وذلك بتذكير المسلمين بأن جميع انتصاراتهم العسكرية كانت في هذا الشهر الفضيل من غزة بدر الكبري, إلي فتح مكة, إلي معركة الشرف والكرامة في العاشر من رمضان سنة1393 هـ/1973 م. 9 ـ إتاحة الفرصة لأجساد الصائمين بأخذ فترة راحة استشفائية يتم خلالها إصلاح أعطابها, وتطهيرها مما تجمع فيها من الدهون, والشحوم, والسموم, والنفايات علي مدي السنة, خاصة عند المصابين بالالتهابات المزمنة في الجهاز الهضمي وغدده, والمبتلين بزيادة الوزن مما يؤدي إلي التهابات المفاصل التنكسي في الركبتين, وعند المصابين بارتفاع ضغط الدم واضطرابات الجهاز الدوري بصفة عامة, وذلك لأن10% من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلي الجسم تذهب إلي الجهاز الهضمي في أثناء عملية الهضم, ويتوقف ضخ هذه الكمية في أثناء الصيام مما يقلل من جهد عضلة القلب ويريحها طوال فترة الصيام. هذا بالإضافة إلي ما ثبت للصوم من تأثيره الإيجابي علي قدرات التفكر والتذكر, وتقوية جهاز المناعة, والشفاء من العديد من الأمراض من مثل أمراض الكلي والمثانة وغيرها, ولذلك قيل: صوموا تصحوا. 10 ـ صوم شهر رمضان يذكر المسلمين بحقيقة أنهم أمة واحدة, لديها من عوامل التوحد ما لا يتوافر لغيرها من الأمم التي أدركت أننا نعيش اليوم في عالم التكتلات البشرية الكبيرة, فتوحدت, في الوقت الذي تسعي لمزيد من تفتيت المسلمين بعد أن قطعت أوصالهم في أكثر من57 دولة ودويلة فبعثرت إمكاناتهم المادية والمعنوية والبشرية, وأدت إلي تخلفهم في كل منحي من مناحي الحياة, ولعل كل رمضان يمر بالمسلمين يذكرهم بحقيقة أنهم أمة واحدة حتي يبادروا بتجسيد ذلك أمرا واقعا, إنقاذا لأنفسهم وللبشرية الضالة من حواليهم من الهلاك. من أجل ذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ( البقرة:183 ـ184). وفي ختام هاتين الآيتين الكريمتين يتضح عدد من أوجه الإعجاز العلمي والتشريعي والإنبائي في النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال, فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:24 am | |
| في تفسير هذا النص القرآني الكريم ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ما نصه: وقوله ـ تعالى ـ : )...وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً... (يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء, وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية, كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يَقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم, فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج. وعن ابن عباس قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت, ولكن لا يُؤوى ولا يُطعم, ولا يُسقى, فإذا خرج أخذ بذنبه, وقال ـ تعالى ـ : ) أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ " الآية, وقال ـ تعالى ـ : " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (, وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره, وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها, كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك. ففي الصحيحين ـ واللفظ لمسلم ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا", وقال: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة: لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها, ولا يختلي خلاه ", فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: " إلا الإذخر"، وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قال به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغد من يوم الفتح, سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به: إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال :" إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما, أو يعضد بها شجرة, فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فيها فقولوا له: إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ", فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح, إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة ـ أي سرقة إبل. وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " لا يحل لأحد ان يحمل السلاح بمكة ". وعن عبد الله بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول وهو واقف بالحرورة بسوق مكة: " والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ماخرجت ". وأضاف ابن كثير في نهاية هذه التطوافة المباركة قوله: وقال بعضهم في قوله ـ تعالى ـ : )...وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً... ( قال: آمنا من النار, (وهذا بعد بالمعنى عن الأمن الدنيوي الذي هو واضح القصد من النص). ولم يزد بقية المفسرين على هذا التفصيل شيئاً يستحق تكراره هنا . من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم : من معانى هذا النص القرآني الكريم الذي يقول فيه ربناـ تبارك وتعالى ـ: )...وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً... ( (آل عمران:97) التأكيد على أمن من دخل إلى الحرم المكي على اتساع مساحته, فكل من دخل في هذا الحرم صار آمناً على نفسه, مطمئناً على ماله ولو كان مطلوباً للثأر ولاذ به, كان ذلك في الجاهلية من بقايا إجلال الناس هذا المكان الذي كرمه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ وفضله على جميع بقاع الأرض, وجعله أشرفها على الإطلاق, متبوعاً في هذا الحرمة بالمدينة المنورة, ثم بمدينة القدس ( فك الله إسارها وإسار وجميع أرض فلسطين، وباقي أراضى المسلمين من أيدي المحتلين لها اللهم آمين يا رب العالمين). وفي أثناء الفتح الإسلامي لمكة المكرمة أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنادٍ ينادي: "من دخل المسجد فهو آمن, ومن دخل داره فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". أما اليوم فمن اقترف في الحرم المكي جرماً من جرائم الحدود أقيم عليه الحد والأمن في الحرم المكي ليس للإنسان فقط, بل هو أيضاً للحيوان والنبات, فقد حرم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يُعضد شوكه, أو يُقلع حشيشه, أو يُقطع شجره, أو يُنفر صيده. وقد لاحظ المراقبون أن الحيوانات الضارية لا تصطرع في الحرم المكي, ولا يؤذي بعضها بعضاًً, بل تخالط من الحيوانات ما تعودت على افتراسه خارج الحرم المكي, ولا تتعرض له فيه أبداً بأذى. ويروي لنا التاريخ أن كل جبار قصد الحرم المكي بسوء أهلكه الله, ولم يمكنه من ذلك, كما حدث مع أصحاب الفيل. وربنا ـ تبارك وتعالى ـ يقرر حمايته لبيته العتيق بقوله ـ عز من قائل ـ : " وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " (الحج:25) . وتفسيرا لهذا الوعد الإلهي قال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ " (أخرجه الشيخان في صحيحيهما)، وقال -صلي الله عليه وسلم-:" لن تغز مكة بعد هذا العام أبدا " (أخرجه الإمام أحمد في مسنده) . بعض الشواهد العلمية على أمن الحرم المكي : أولاً : حماية مكة المكرمة من الهزات الأرضية والثورات البركانية : على الرغم من انفتاح قاع البحر الأحمر بخسوف أرضية عميقة, واتساع هذا القاع بمعدل 1ـ3 سنتيمترات في كل سنة ( تقاس عند باب المندب), وعلى الرغم من تحرك الجزيرة العربية ككل في الاتجاه الشمالي الشرقي ـ أي في عكس اتجاه عقرب الساعة ـ متباعدة عن القارة الإفريقية, وعلى الرغم من السجلات الزلزالية المدونة, والثورات البركانية العنيفة التي تركت طفوحاً هائلة من الحمم والرماد البركاني في منطقة تهامة والحجاز قديماً وحديثاً, والتي تقدر بنحو2586 حدثاً زلزالياً ( بقدر يتراوح من3.1 إلى6.7 درجة) خلال الفترة من سنة627 م إلى1989 م, وما تلي ذلك من زلازل حتى اليوم تجاوز قدر أعلاها6 درجات على مقياس رختر, وامتدت من اليمن جنوباً (مثل زلزال ذمار الذي حدث في13/12/1982م) إلى زلازل خليج العقبة شمالاًً, فلم تسجل هزة أرضية عنيفة في الحرم المكي كله الممتد من وادي الشميسي غرباًً ( على بعد15 كم من مكة المكرمة) إلى الجعرانة شرقاً ( على بعد16 كم), ومن أضاه جنوباً ( على بعد12 كم) إلى التنعيم شمالاً ( على بعد6 كم), وإلى وادي نخلة في الشمال الشرقي من مكة المكرمة( على بعد14 كم), أي في منطقة تقدر مساحتها بنحو ستمائة كيلومتر مربع, وذلك على الرغم من وقوع زلزال مروِّع في المدينة المنورة سنة1256 م, صاحبته ثورة بركانية عنيفة, وعلى الرغم من وجود أكثر من تسعين ألف كيلومتر مربع من الطفوح البركانية وآلاف الفوهات البركانية على طول أرض الحجاز . ثانياًً : إثبات توسط مكة المكرمة لليابسة : في دراسة علمية دقيقة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم أثبت الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات, أي أن اليابسة موزعة حول مكة المكرمة توزعاً منتظماًً, واستنتج من ذلك أن هذه المدينة المباركة تعتبر مركزاً لليابسة، وهى تنفرد بذلك عن جميع بقاع اليابسة. ثالثاًً : انتفاء الانحراف المغناطيسي على مسار خط طول مكة المكرمة : كذلك أثبت هذا العالم المصري الجليل ـ الذي نسأل الله تعالى له الرحمات ـ أن الأماكن التي تشترك مع مكة المكرمة في نفس خط الطول (39.817 درجة شرقا) تقع جميعها في الإسقاط الذي قام به على خط مستقيم هو خط الشمال -الجنوب الجغرافي، بمعنى انعدام الانحراف المغناطيسي على طول هذا الخط, مع وجوده على باقي خطوط الطول الأخرى, وهي ميزة ينفرد بها خط طول مكة المكرمة . هذه الخصوصية لا ( ولم) تمنع تعرض تلك الأرض المباركة لبعض الهزات الأرضية الخفيفة ولعدد من التغيرات المناخية التي تسبب هطول الأمطار الموسمية بغزارة على ندرة حدوث ذلك, وقد تصاحب هذه الأمطار الغزيرة بالسيول الجارفة التي طاف فيها بعض الطائفين حول الكعبة المشرفة سباحةًً. بعض الشواهد القرآنية على كرامة الحرم المكي : · في عشرات الآيات يقابل القرآن الكريم الأرض ـ على ضآلتها النسبية ـ بالسماء ـ على اتساعها المذهل، وهذه المقابلة لابد أنها متعلقة بوضع خاص للأرض بالنسبة إلى السماء. · يذكر القرآن الكريم تعبير السماوات والأرض وما بينهما في عشرين آية قرآنية صريحة, وهذه البينية لا تتم إلا إذا كانت الأرض في مركز السماوات, أي في مركز الكون. · كذلك يؤكد مركزية الأرض من الكون قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ في سورة الرحمن : ) يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ( ( الرحمن:33) وذلك لأن قطر أي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفيه مروراً بمركزه, فإذا انطبقت أقطار السماوات ـ مع ضخامتها ـ مع أقطار الأرض ـ على ضآلتها النسبية ـ فلابد و أن تكون الأرض في مركز السماوات. - إثبات الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ توسط مكة المكرمة لليابسة, وإثبات وجود الأرضين السبع كلها في أرضنا, انطلاقاً من دراسة نتائج الهزات الزلزالية الطبيعية والصناعية ومن أقوال سيد المرسلين ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ التي منها أقوله الشريفة: " من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " (رواه البخاري). · " إن الحرم حرم مناء من السماوات السبع والأرضين السبع ". · " يا معشر قريش, يا معشر أهل مكة, إنكم بحذاء وسط السماء, وأقل الأرض ثياباًً, فلا تتخذوا المواشي " · " البيت المعمور منا مكة "، ووصفه البيت المعمور بأنه بيت في السماء السابعة على حيال الكعبة تماما حتى لو خر لخر فوقها. كل ذلك يؤكد لنا أن الأرض في مركز الكون, وأن الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولى, ومن دونها ست أرضين, ومن حولها سبع سماوات, والكعبة تحت البيت المعمور مباشرة, وهو كعبة الملائكة. هذا الموقع المتميز للحرم المكي أعطاه من الشرف والكرامة, والبركة والعناية الإلهية ما جعل من الوصف القرآني في قول ربنا –تبارك تعالى-: )...وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً... ( حقيقة مدركة ملموسة؛ لأنه دخل في أمان الله وظل عرشه, وهل يمكن أن يُضام من نال شرف التواجد في هذا المكان ؟ . من هنا كان اختيار الحرم المكي ليكون أول بيت وضع للناس على الأرض، و أول بيت عُبد الله ـ تعالى ـ فيه على الأرض, وجعله قبلة للمسلمين, ومقصداً لحجهم واعتمارهم, وجعل الصلاة فيه بمائة ألف صلاة, والحسنة فيه بمائة ألف حسنة, لذلك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق مكة المكرمة عشرات الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد خصوصية المكان, ومكانته عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومنها: · " هذا البيت دعامة الإسلام, من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن يدخله الجنة, وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة " . فسبحان الذي اختار مكة المكرمة موقعاً لأول بيت عُبد فيه في الأرض, واختاره بهذه المركزية من الكون, وغمره بالكرامات والبركات, وقرر أن من دخله كان آمناً . وهذه حقائق ما كان للإنسان أن يدركها لولا نزول القرآن الكريم, وحفظه بلغة وحيه بحفظ الرحمن الرحيم, فالحمد لله على نعمة الاسلام, والحمد لله على نعمة مكة المكرمة, والحمد لله على نعمة القرآن الكريم, والحمد لله على بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي قال فيه ربه ـ تبارك وتعالى ـ : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ( (الأحزاب:46,45). فصل اللهم وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه , ومن تبع هداه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين, والحمد لله رب العالمين. | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:25 am | |
| موجز الأصل في العبادات أنها لا تُعلل، ولكن إذا أدرك العابد الحكمة من ورائها أتقن أداءها، وضبط سلوكه حيال ذلك الأداء، واستمتع به روحيا ومعنويا بدرجة كبيرة، وحققت العبادة الغاية من فرضها , وثبت بها الأجر إن شاء الله تعالى . ومن الحكم التي أردكناها من فريضة الحج ما يلي: أولا: تعريض الحجيج لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة حتى تتضاعف البركات ويتضاعف الأجر إن شاء الله . ثانيا: تذكير الحاج بمرحلية الحياه ،وبحتمية الرجوع إلي الله . ثالثا: الاستفادة بهذا المؤتمر الإسلامي الدولي في مناقشة قضايا المسلمين والعالم .وفي ضوء هذا الفهم يلتزم الحاج بعدد من القيم السلوكية التي منها ما يلي: (1) استشعار جلال كل من المكان والزمان بالتزام السكينه والخشوع. (2) الاكثار من العبادة، والاستغفار، والدعاء، والتلبيه. (3) الصبر على ما يمكن أن يتعرض له الحاج من الشدائد والمكاره . (4) الاجتهاد في تطبيق معنى الأخوة الإنسانية . (5) التواضع ولين الجانب . (6) التراحم بين الحجيج . (7) الجود والكرم والبذل في سبيل الله . ( الحلم، والعفو، والصفح، وترك المراء . (9) الإلتزام بخفض الصوت وأدب الحديث . (10) الرفق بالعباد والمبادرة بمساعدة الضعفاء من المرضى وكبار السن . (11) الإلتزام بحقوق المرافقين وضوابط الجماعة وقوانين الدولة المضيفه ونظمها . مقدمة: (الحج) : يعنى قصد مكه المكرمه لأداء عبادة الطواف، والسعى، والوقوف بعرفه، وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع، ولو مرة واحدة في العمر، وذلك استجابه لأمر الله، وابتغاء مرضاته، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومه من الدين بالضرورة، وحق لله تعالى على المستطيعين من عباده ذكورا وإناثا لقول الحق تبارك وتعالى : " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " (آل عمران 97) . والحج هو عبادة من أَجَلَّ العبادات وأفضلها عند رب العالمين بعد الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ، وذلك لما رواه أبو هريره رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال : "إيمان بالله ورسوله"، قيل : ثم ماذا؟ قال: "ثم جهاد في سبيل الله"، قيل : ثم ماذا؟ قال: "ثم حج مبرور"، أي الذي لا يخالطه إثم . وأصل (العبادة): الطاعة، و (التعبد) :هو التنسك، والطاعة المبنية على أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة لا تحتاج إلي تبرير، ولكن إذا عرفت الحكمة من ورائها أداها العبد بإتقان أفضل، وكان سلوكه في أدائها أنبل وأجمل، خاصة وأن من مآسى عصرنا الجلية: ظاهرة المفاصلة بين العبادة والسلوك مما يفقد العبادة دورها في ترفيق القلب، وتهذيب النفس، وضبط السلوك، وزيادة الإحساس بمعية الله تعالى ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في أثناء أداء فريضة الحج وذلك لشدة الزحام، ولمحدودية الوقت، ولكثرة التكاليف الشرعية فى هذه الفترة المحدودة ولجهل القطاع الغالب من الناس بحقيقة هذه العبادة والحكمة من أدائها, و لكن إذا فهمت الحكمة من أداء هذه الفريضة العظيمة أداها العبد أحسن الأداء وأكمله، وأعان غيره من إخوانه على حسن أدائها، وذلك بحسن الفهم، والالتزام بالنظم، والإيثار على النفس تقربا إلي الله تعالى وتضرعا، وحبا في عون عباد الله والمسارعة إلي نجدتهم، واعتبار ذلك من تمام أداء هذه العبادة التي يساويها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بالجهاد إذ يقول: "جهاد الكبير، والضعيف، والمرأة، الحج " (النسائى) .
من الحكم والأهداف المستفاده من أداء فريضه الحجلهذه الفريضه الإسلامية الجليله حكم عديدة منها: أولا: تعريض كل من حج البيت ولو لمرة واحدة في العمر لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة: فالله تعالى خلق كلا من المكان والزمان، وجعلهما أمرين متواصلين فلا يوجد مكان بلا زمان، ولا زمان بلا مكان. وكما فضًّل الله بعض الرسل على بعض، وبعض الأنبياء على بعض، وبعض أفراد البشر على بعض فضًّل سبحانه وتعالى بعض الأزمنه على بعض، وبعض الأماكن على بعض , فمن تفضيل الأزمنه جعل ربنا تبارك وتعالى يوم الجمعة من أفضل ايام الأسبوع، وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة، وجعل الليالى العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالى السنة، وجعل أشرفها على الإطلاق ليلة القدر التي جعلها الله تعالى خير من ألف شهر. ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج، ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم ومن الأيام جعل ربنا تبارك وتعالى أشرفها الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة، وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة، وفى ذلك يروى عن جابر رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذى الحجة " فقال رجل: هن أفضل أم من عدتهن جهادا في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " هن أفضل من عدتهن جهادا فى سبيل الله وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلي السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: أنظروا إلي عبادى، جاءونى شعثاً غبرا ضاحين. جاءوا من كل فج عميق ، يرجون رحمتى ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة " (رواه أبو يعلى، والبزار، وابن خزيمه، وابن حبان، واللفظ له)، ولذلك كان الوقوف بعرفه هو ركن الحج الأعظم . ومن تفضيل الأماكن، فضَّل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض، ومن بعدها فضل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدها فضل بيت المقدس كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان تضاعفت البركات والأجور إن شاء الله . ومن هنا كان من حكم فريضة الحج بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهى تعريض كل مسلم، بالغ، عاقل ، حر، مستطيع ، ذكرا كان أو أنثى، ولو لمره واحدة في العمر لبركه المكان (الحرم المكي الشريف) في بركة الزمان (الأيام العشرة الأولى من ذى الحجة إن لم يكن لشهرى ذى القعدة وذى الحجة كاملين) ولذلك قال تعالى : " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " (آل عمران97). وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر، كان مضمونا على الله، إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده، رده بأجر وغنيمة ". وروى كل من الإمامين البخارى ومسلم عن أبي هريره رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العمره إلي العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". ورى كل من الإمامين الترمذى والنسائى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضه. وليس للحجه المبرورة ثواب إلا الجنة " .من الدلائل الحسية على كرامة الحرم المكي الشريف: (1) توسطه من اليابسه التي تتوزع حول هذا الحرم توزعا منتظما كما أثبت ذلك الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين رحمه الله في دراسته العلمية الجادة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم . (2) انعدام الانحراف المغناطيسى عند خط طول مكه المكرمة ( ´817 39° شرقا) . (3) وجود أركان الكعبه المشرفة في الاتجاهات الأصلية الأربع تماما . (4) تفجر عين زمزم وسط صخور نارية ومتحوله مصمطه وفيضانها لأكثر من ثلاثة ألاف سنة . (5) ثبوت الطبيعة النيزكيه لكل من الحجر الأسود ومقام إبراهيم مما يثبت أنهما من أحجار السماء ، وليسا من أحجار الأرض كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث نبوى شريف .من الدلائل الدينية على كرامه الحرم المكى الشريف: (1) اختياره مكانا لبناء أول بيت وضع للناس يقول فيه ربنا تبارك وتعالى : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ " (آل عمران96). (2) اختيار الكعبة المشرفه قبله للعابدين، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى : " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ " (البقرة 144). (3) أنها المدينة الوحيدة التي ورد ذكرها وذكر حرمها الشريف فى كتاب الله سبعة وعشرين مرة. وسميت باسمها سورة من سور القرآن الكريم هي سورة " البلد ". (4) أنها المدينة الوحيدة التي أقسم بها ربنا تبارك وتعالى فى محكم كتابه وهو تعالى الغنى عن القسم فقال عز من قائل: " لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ " (البلد:1). وقال : " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ " (التين3:1). والبلد هنا هي مكة المكرمة وحرمها الشريف الذي حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض، وجعله حرما آمنا. ونفى القسم في اللغه العربية توكيد له، وتعظيم للأمر المقسم به . ومن هنا كان الحج حقا لله تعالى على كل مسلم ، عاقل ، بالغ، حر، مستطيع، وكانت العمرة عبادة من أجل العبادات، ومن أعظم القربات إلى الله تعالى وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم " (رواه الإمام ابن ماجه في سننه) ويقول صلوات الله وسلامه عليه : " إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد مسجد مكة المكرمة في كل يوم وليله عشرين ومائة رحمة : ستين للطائفين، وأربعين للمصلين ، وعشرين للناظرين " (رواه الطبرانى في المعجم الكبير) . (5) ذكر اسم " وادى بكه " في أحد المزامير المنسوبة إلي داود عليه السلام في العهد القديم (المزمور 84/6) .
والذي جاء فيه باللغة الإنجليزية ما يلى:Blessed are those whose strength is in you, who have set their hearts on pilgrimage. As they pass through the valley of Baca, they make it a place of springs, the autumn rains also cover it with pools (or blessings) …" (Thompson chain Reference Bible; New International version; B.B. kirkbride Bible Co., Inc, Indianapolis, Indiana, Zondervan Bible Publishers, Grand Rapids, Michigan, 1908 1984). ولكن في الترجمه إلي اللغة العربية (نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ص 892) تم تحريف(وادي بكه) إلي (وادي البكاء) كما تم تحريف كلمه الحج إلي (بيتك )اي بيت الله فجاءت الترجمة على النحو التالي: "طوبي لاناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا. أيضا ببركات يغطون موره " والخلاف بين النصين العربي والإنجليزي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، والقصد من التحريف أوضح من كل تعليق . (6) تؤكد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خصوصية الحرم المكي ومنها أن أرضه هي أول ما خلق من اليابسة، وأنها تحت البيت المعمور مباشرة ، وأنها في مركز الكون، وأنها قد حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض .وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني كثيرة نختار منها ما يلي: " كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض " . (الهروى /الزمخشرى) " دحيت الأرض من مكة، فمدها الله تعالى من تحتها فسميت أم القرى " . ( مسند الإمام أحمد 4/305 ، وموارد الظمآن لابن حبان) ,وفي شرح هذا الحديث الشريف ذكر كل من ابن عباس وابن قتيبه (رضى الله عنها) أن مكة المكرمة سميت باسم " أم القرى" لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض، والدراسات الحديثة تؤكد ذلك التفسير وتدعمه، كما تفسر قول ربنا تبارك وتعالى مخاطبا خاتم أنبائه ورسوله صلى الله عليه وسلم : " وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " (الانعام 93) وتفسير قوله تعالى في خطاب مشابه: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا " (الشورى 7) وإذ جمعت هاتان الآيتان الكريمتان مع قول الحق تبارك وتعالى مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم قائلا له: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " (سبأ 28) يروى الإمام مجاهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قوله : " إن الحرم حرمٌ مناء من السماوات السبع والأرضين السبع " (أخرجه الأزرقي في أخبار مكة/ 355) وقد أثبتت الدراسات الحديثة وجود سبعة نطق متمايزة في أرضنا، يغلف الخارج منها الداخل، وأن الكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى، ومن دونها ست أرضين. وحول الأرض سبع سماوات متطابقة، يغلف الخارج منها الداخل كما أخبرنا القرآن الكريم الذى يؤكد على مركزية الأرض من الكون بمقابلتها بالسماء في عشرات الآيات على ضآلة حجم الأرض إذا قورنت بضخامة حجم السماء وبالتأكيد على البينية الفاصلة للأرض عن السماوات في عشرين آية قرآنية كريمة. وبالإشارة إلى جميع أقطار السماوات والأرض في سورة الرحمن (الآية رقم 33). ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " البيت المعمور منا مكة " (أخبار مكة للأزرقى) و(مناء) أو (منا) معناها قصده وفي حذاه، ووصف خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم البيت المعمور في حديث أخر بقوله الشريف: " البيت المعمور هو بيت في السماء السابعة على حيال الكعبة تماماً حتى لو خر لخر فوقها، يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرج آخرهم لا يعودون ". وقال صلي الله عليه وسلم:" البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراع وهو بحيال الكعبة " (رواه البيهقي في شعب الإيمان) ويؤكد خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين على مركزية مكة المكرمة من الكون بقوله الشريف: " بايعوا أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء " (رواه الفاكهي في أخبار مكة).وفي حرمة مكة المكرمة يروى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أقوال كثيرة منها: " إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس " (صحيح البخاري /722) " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها " (رواه كل من الإمامين البخاري وأحمد) " إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة " (مصنف عبد الرازق 5/140) وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما خطب به الناس يوم الفتح: " إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص في قتال فيها، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن له ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس" (صحيح البخاري 1/723) وختم صلي الله عليه وسلم هذه التوصيات على حرمة مكة المكرمة بقوله الشريف: " لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا " (أخرجه كل من الإمامين أحمد وابن ماجة) ويقول ربنا تبارك وتعالى على لسان خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم " إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ " (النمل 91). ويقول عز من قائل : " وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ " (البقرة 191) وفي هذا المعني قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة" (صحيح مسلم) ومن هنا كان تغليط الدية على مرتكب جناية القتل في الحرم المكي كله، وتغليط العقوبة على المسيئين فيه انطلاقاً من قول ربنا تبارك وتعالي: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " (الحج 25) (7) تحريم دخول المشركين إلى الحرم المكي انصياعاً لأمر ربنا تبارك وتعالي الذى يقول فيه: " إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " (التوبة: 28) ( تحريم كل من الحرمين المكي والمدني على الدجال لعنه الله وذلك انطلاقاً من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة " (متفق عليه). (9) وجوب الإحرام لكل من الحاج والمعتمر قبل الدخول إلى مكة المكرمة، وقبل تجاوز مواقيتها، وجعل تحية الكعبة الطواف خلافاً لتحية بقية المساجد، وجعل الدعاء في الحرم المكي مستجاباً بإذن الله تعالي وتفضيل صلاة العيد في هذا الحرم الشريف . (10) مضاعفة حسنات الحرم المكي إلى مائة ألف ضعف وإلى أضعاف أكثر بإذن الله، فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وكذلك أجر غير الصلاة من العبادات والأعمال الصالحات، وفي ذلك يقول المصطفى صلي الله عليه وسلم " صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة " . (رواه كل من الأئمة مسلم، وأحمد، وابن ماجة). (11) أثبتت أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أبانا آدم عليه السلام وهو أول الأنبياء أنزل في مكة المكرمة وان جميع الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم أجمعين قد حجوا البيت حتى يؤكد لنا ربنا تبارك وتعالي وحدة النبوة ووحدة الرسالة السماوية. وذكر كثير من الرواة أن نبى الله إسماعيل عليه السلام وأمه رضي الله عنها مدفونان بحجر إسماعيل المعروف باسم " الحطيم". وروى كذلك أن عددا من أنبياء الله مدفونون في صحن الكعبة، وفي ذلك يروى عن المصطفى صلي الله عليه وسلم أقواله الشريفة التالية: " ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبورتسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك " (ذكره القرطبي في تفسيره) " كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة، فيعبد الله تعالي ومن معه حتى يموت ، فمات فيها نوح، وهود، وصالح، وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر" . (رواه الفاكهي في أخبار مكة) " حج خمسة وسبعون نبيا كلهم قد طاف بهذا البيت وصلي في مسجد مني " (رواه الفاكهي في أخبار مكة). " في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا " (رواه الهيثمي) (12) كذلك أثبتت أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم قداسة ما في الحرم المكي من أشياء ومن ذلك أقواله الشريفة : " الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة " .(أخرجه كل من اللأئمة الترمذي، وأحمد ، والحاكم ، وابن حبان) وفي رواية للبيهقي أضاف قوله صلي الله عليه وسلم : "ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلاشفي" . " نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ". (رواه كل من الإمامين أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما).
ثانيا: تذكير الحاج بمرحلية الحياة ، وبحتمية الرجوع إلى الله تعالى :
على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله تعالي على جميع خلقه والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة وعلي الرغم من إيماننا نحن معشر المسلمين بحتمية البعث والحساب والجزاء ثم الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أوفي النار أبدا وهي من الأصول الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم وروتها أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " (آل عمران : 185) . " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " (الأنبياء:35) . " الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ " (الملك :2) . وعلى الرغم من ان الموت ليس انتهاء إلى العدم المحض والفناء التام كما يتخيل الكفار والمشركين لأنه مجرد انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها إياه, والانتقال من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ,إلا أن الروح لا تبلي بل تصعد إلى بارئها,ويبلي الجسد ويتحلل وتبقي منه فضله يعاد بعثه منها وهي "عجب الذنب" كما سماها رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أن الموت يبقي مصيبة كما سماه القرآن الكريم ,ويبقي الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه,وإعراضهم عن ذكره, وقلة تفكرهم فيه ,وانصرافهم عن العمل له, وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت . | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:26 am | |
| <table width="100%" border="0">
<tr> <td valign="top">
بسم الله الرحمن الرحيم
"حجة الوداع:منهج وعمل"
مقدمة
يقول ربنا -تبارك وتعالى- فى محكم كتابة:
﴿… وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ﴾(آل عمران: 97 ).و (الحج) لغة هو القصد للزيارة أو السفر, وفي الشرع هو قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الذي جعله ربنا – تبارك وتعالي – حقا لذاته العلية علي كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ولو لمرة واحدة في العمر، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة, وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة منذ القدم كما يتضح من النقاط التالية: (أ) قدم البيت الحرام: أمر ربنا –تبارك وتعالي – ملائكته ببناء الكعبة المشرفة علي أول جزء تكون من اليابسة استعدادا لمقدم أبينا ادم – عليه السلام – وفي ذلك يقول أبوذر-رضى الله عنه-"قلت يا رسول الله: أى مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قلت ثم أى؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال" أربعون سنة، وأيما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد"
وقال المصطفى– صلي الله عليه وسلم –
"كانت الكعبة خشعة علي الماء فدحيت منها الأرض". "دحيت الأرض من مكة, فمدها الله – تعالي – من تحتها فسميت أم القرى" وفى شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس-رضى الله عنهما- وابن قتيبة-أرضاه الله- أن مكة المكرمة سميت باسم "أم القرى" لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض. والدحو فى اللغة هو المد والبسط والإلقاء، وهى كلمة جامعة للتعبير عن ثورة البركان الذى يوسع من امتداد طفوحه البركانية كلما تجدد نشاطه وذلك بإلقاء مزيد من لك الطفوح. كذلك أخرج كل من الطبرانى والبيهقى عن ابن عمر-رضى الله عنهما-موقوفا عليه أنه (أى البيت الحرام) كان أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة (بفتح الزاى) أى كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته. وتأتي المعارف المكتسبة في مجال علوم الأرض لتثبت أن الأرض غٌمرت في مرحلة من مراحل خلقها الأولى غمرا كاملا بالماء, ثم شق الله – تعالي – قاع هذا المحيط الغامر بعدد من الخسوف الأرضية العميقة فانبثقت منها الثورات البركانية العنيفة التي ظلت تلقي بحممها فوق قاع هذا المحيط الغامر لتكون سلسلة جبلية طويلة ظلت ترتفع بالتدريج حتى برزت أعلى قمة فيها فوق مستوي سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة التي نعرفها اليوم على هيئة جزيرة بركانية صغيرة شكلت أرض الحرم المكي المبارك. وباستمرار النشاط البركاني فوق قاع هذا المحيط الغامر نمت هذه الجزيرة البركانية بعملية الدحو (وهو المد والبسط والإلقاء كما تفعل ثورات البراكين عادة ) لتكون اليابسة علي هيئة قارة واحدة تعرف باسم القارة الأم ( أو أم القارات ). ثم فتت الله – تعالي – هذه القارة الأم إلى القارات السبع التي نعرفها اليوم , وأخذت هذه القارات تنزاح متباعدة عن بعضها البعض إلى مواقعها الحالية , باستمرار عملية زحف القارات، مع بقاء مكة المكرمة في وسط اليابسة, ولذلك سماها القرآن الكريم باسم (أم القرى). وكل من آيات القرآن الكريم , وأحاديث المصطفي – صلي الله عليه وسلم – تشير إلى أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض, بل هي في مركز الكون كله انطلاقا من أقوال خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين – التي منها ما يلي : (1)" البيت المعمور منا مكة" . (2)" البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضُرَاح وهو بحيال الكعبة". (3)" يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء". (4) "إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع ". وقد أثبتت دراسات علوم الأرض وجود سبعة نطق متمايزة في أرضنا, يغلف الخارج منها الداخل. والكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى, ومن دونها ست أرضين، ومن حولها سبع سماوات متطابقة(أى يغلف الخارج منها كل الداخل فيها)، وذلك لأن القران الكريم يشير إلى مركزية الأرض من الكون بمقابلة الأرض- علي ضآلة حجمها – بالسموات – علي ضخامة أبعادها –, وبالإشارة إلى البينية الفاصلة للأرض عن تلك السموات السبع المتطابقة ( أي : التي يغلف الخارج منها الداخل) وذلك في عشرين آيه قرآنية صريحة, وكذلك يجمع أقطار السموات والأرض على ضخامة الأولى وضآلة حجم الثانية وذلك فى قول ربنا-تبارك وتعالى-: ﴿ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ﴾0(الرحمن:33), وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع. وتشير الآثار إلى أن الكعبة المشرفة كانت قد هدمت قبل بعثة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – وبقيت قواعدها, فبوأها الله – تعالي – له وأمره بوضع زوجته السيدة / هاجر, ورضيعها إسماعيل عند مكان البيت كي يعيدا بناءه بعد أن يبلغ إسماعيل أشده وذلك من أجل أن يأتي خاتم الأنبياء والمرسلين – صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين – من نسل إسماعيل – عليه السلام – فيولد بمكة المكرمة أشرف بقاع الأرض علي الإطلاق التي نزل بها أول الخلق, وأول الأنبياء , آدم – عليه السلام – فيلتقي خاتم النبوة بأولها, تأكيدا علي وحدة رسالة السماء وعلي الأخوة بين الأنبياء، وعلى وحدانية الخالق-سبحانه وتعالى-. (ب) حدود الحرم المكي: وللحرم المكي حدود حددتها الملائكة لأبينا آدم –عليه وسلم- ثم لأنبياء الله من بعده إلي خاتمهم أجمعين – صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم آمين-وهذه الحدود معلمة بأعلام لا تزال موجودة إلى اليوم مع تجديدها باستمرار. وهذه الحدود منصوبة في جهات خمس علي النحو التالي : 1- الحد الشمالي للحرم المكي عند التنعيم علي بعد 6 كم من مكة المكرمة .
2- الحد الجنوبي عند قرية "أضاه" علي بعد 12 كم من مكة المكرمة . 3- الحد الشرقي عند "الجعرانة" علي بعد 16 كم من مكة المكرمة . 4- الحد الغربي عند الحديبية " الشميسي " علي بعد 15 كم من مكة المكرمة . 5- الحد الشمالي الشرقي عند "وادي نخلة" علي بعد 14 كم من مكة المكرمة . وبذلك تصبح مساحة الحرم المكي قرابة ستمائة كيلومتر مربع في وادٍ يبلغ طوله حوالي 31 كم وعرضه حوالي 18 كم . (جـ) قدم عبادة الحج: الحج عبادة قديمة شرعها الله – تعالي – لأبينا آدم -عليه السلام – لحظة خلقه, كما شرعها لذريته من بعده, ولجميع من أرسل لهدايتهم من الأنبياء والمرسلين . فمن الثابت من أحاديث رسول الله –صلي الله عليه وسلم- أن جميع الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله قد قدموا إلي الحرم المكي الشريف لأداء شعيرتي الحج والعمرة, ومن ذلك أقواله التالية : "ما بين الركن والمقام إلي زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاءوا حجاجا فقبروا هناك ". "كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق مكة هو ومن آمن معه فتعبدوا بها حتى يموتوا" "كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة, فيعبد الله – تعالي – ومن معه حتى يموت فمات فيها نوح وهود, وصالح, وشعيب, وقبورهم بين زمزم والحجر" "في مسجد الخيف قبور سبعين نبيا " "حج خمسة وسبعون نبيا كلهم قد طاف بهذا البيت, وصلي في مسجد منى " "إذا كنت بين الأخشبين من منى- ونفخ بيده الشريفة إلى المشرق- فان هناك واديا يقال له وادي السرر, به سرحة سر تحتها سبعون نبيا". (أي أنهم ولدوا تحت تلك السرحة). "وما من نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا قد حج البيت الحرام, وطاف به, ووقف علي المشاعر المقدسة في هذه البقاع الطاهرة , فلما كان إبراهيم – عليه السلام بالشام أراه الله- عز وجل- البيت وبوأه له فخرج إليه من الشام, ومعه ابنه إسماعيل وزوجه هاجر أم إسماعيل الذي كان طفلا صغيرا ترضعه". (د) الله-تعالى- يشهد لمكة المكرمة بالحرمة: جعل الله - تعالي- الكعبة المشرفة قبلة للعابدين من خلقه من زمن أبينا آدم - عليه السلام – وإلى أن يشاء الله, وذكر مكة المكرمة وحرمها الشريف سبعا وعشرين مرة في محكم كتابه, وسمي باسمها إحدى سوره وهي سورة " البلد " واقسم بها قائلا : "لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ" (البلد:1). ونفي القسم في اللغة العربية مبالغة في توكيده, والله - تعالي – غني عن القسم لعباده, فإذا جاءت الآية القرآنية الكريمة في صيغة القسم كان ذلك من قبيل تنبيهنا– نحن معشر المسلمين – إلى أهمية الأمر المقسم به. ولما كانت مكة المكرمة هي المدينة الوحيدة التي جاء القسم بها في كتاب الله كان في ذلك تنبيه لنا إلى عظيم مكانتها، وشرف قدرها ,وحرمتها عند الله. ومن هنا كان الحج إليها والاعتمار بها عبادة من أجل العبادات وأكرمها عند الله, ومن أعظم القربات إليه , ومن هنا أيضا كانت مضاعفة الحسنات فيها إلى مائة ألف ضعف بل إلى أضعاف كثيرة, وكان تعظيم الدية علي من ارتكب جناية فيها, وتغليظ العقوبة علي المسيئين بها, وكان تحريم دخول المشركين إليها , ووجوب إحرام المسلمين من المواقيت المحددة قبل الوصول إليها حاجين أو معتمرين . (هـ) رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يشهد لمكة المكرمة بالحرمة الإلهية :
أكد رسول الله – صلي الله عليه وسلم – علي حرمة مكة منذ الأزل , وأورد في ذلك عشرات من الأحاديث نختار منها ما يلي :
"إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس". "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض , لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها". "إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض, فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة". " إن الله حبس عن مكة الفيل, وسلط عليها رسوله والمؤمنين, ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي, ولا تحل لأحد بعدي, ألا وإنها ساعتي هذه حرام, لا يختلي خلاها, ولا يعضد شجرها, ولا يلتقط ساقطتها, إلا لمنشد". "لا يكون بمكة سافك دم, ولا آكل ربا, ولا نمام, ودحيت الأرض من مكة, وأول من طاف بالبيت الملائكة". وقال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – فيما خطب به الناس يوم الفتح:
"إن مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض, لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما, ولا يعضد شجرا, فإن أحد ترخص في قتال فيها, فقولوا: إن الله إذن لرسوله ولم يأذن لكم, وإنما أذن له ساعة من نهار, وقد عادت حرمة حرمتها اليوم كحرمتها أمس". وختم -صلى الله عليه وسلم – هذه التوصيات المشددة على حرمة مكة المكرمة بقوله الشريف: "لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها, فإذا ضيعوا ذلك هلكوا". وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا – تبارك وتعالي – علي لسان خاتم أنبيائه ورسله – صلوات الله وسلامه عليه - :﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ (النمل :91) (و) قدسية مكة المكرمة عبر التاريخ: بقي تقديس مكة المكرمة إلى عهد داود – عليه السلام –, وبقي ذكرها في مزاميره، رغم ضياع أصول تلك المزامير, ورغم تعرض ما بقي من ذكريات عنها للتحريف تلو التحريف, وللتزوير والتزييف. فقد جاء ذكر" وادي بكة " في بعض الابتهالات المنسوبة إلي داود – عليه السلام – "في العهد القديم" ( مزمور 48/6 ) الموجود في كل من طبعة تومبسون (1)Thompson Chain – Reference Bible. Todays English Version Bible. (2) وفى كل الطبعات باللغات الأجنبية الأخرى ,ولكن في الترجمة العربية للنص الانجليزي تم تحريف " وادي بكة " إلى" وادي البكاء ", علما بأنه لا يوجد في المنطقة العربية كلها واد بهذا الاسم المحرف, كما تم تحريف لفظة (الحج ) إلى تعبير طرق بيتك كما جاء في طبعة للعهدين القديم والجديد ( نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط – بيروت ص 892 ). واستمر العرب في جاهليتهم يعظمون شعيرة الحج, وحرمة البيت, علي الرغم مما كانوا قد وقعوا فيه من انحرافات الشرك, والضلال عن الحق, والابتداع في الدين من أمثال التصدية، والتصفير, والتعري بالكامل أثناء الطواف، ووضع الأصنام والأوثان حول الكعبة. فكان الرجل يلاقي قاتل أبيه في الحرم فلا يناله بسوء تعظيما لحرمة البيت. وكان اتفاق كل قبائل العرب علي ذلك دليلا على ما كانوا قد توارثوه عن أجدادهم من بقايا الحق القديم الذي دعا إليه جميع أنبياء الله ورسله, وكان علي رأسهم نبيا الله إبراهيم وولده إسماعيل – عليهما السلام -. ولم تكن حرمة مكة المكرمة تحمي الإنسان فقط في زمن الجاهلية, بل امتدت إلى تأمين كل من النبات والحيوان في كل الحرم المكي الذي كانت حدوده معلومة للجميع. وظل الحال كذلك, حتى كانت السنة العاشرة من الهجرة حين تجددت فريضة الحج في بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين _ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين- فجاء ليرد الناس من جديد إلى دين الله الحق, وليعيد إحياء عبادة الحج كما شرعها ربنا – تبارك وتعالي – لعباده, ويغسلها مما كان قد علق بها من أدران الشرك، وضلالات الشيطان, ويعيدها نقية صافية كما شرعها الله –تعالي-, ومن هنا كانت ضرورة "حجة الوداع" المعروفة أيضا باسم "حجة البلاغ " أو "حجة الإسلام". (ز ) رسول الله – صلي عليه وسلم :يمتدح شعيرتي الحج والعمرة والمقام بمكة : امتدح رسول الله -صلي الله عليه وسلم – شعيرتي الحج والعمرة في أحاديث كثيرة نختار منها أقواله التالية: "الحجاج والعمار وفد الله, إن دعوه أجابهم ,وان استغفروه غفر لهم". "من حج إلى مكة كان له بكل خطوة يخطوها بعيره سبعون حسنة, فإن حج ماشيا كان له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم, أتدري ما حسنات الحرم ؟ الحسنة بمائة ألف حسنة" .
"المقام بمكة سعادة, والخروج منها شقوة" . "إن الله – تعالي- ينزل علي أهل هذا المسجد – مسجد مكة – في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة : ستين للطائفين , وأربعين للمصلين, وعشرين للناظرين ".
"ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة".
روي عن رسول الله - صلي الله عليه - وسلم قوله عن مكة المكرمة : " والله إنك خير أرض الله , وأحب أرض الله إلى الله , ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " وقال :" ما أطيبك من بلد وأحبك إلي , ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" .
"لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام, والمسجد الأقصى, ومسجدي هذا" .
"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
</td></tr></table> | <table width="100%" border="0" cellpadding="0" cellspacing="0">
<tr> <td>
</td></tr> <tr> <td> </td></tr></table> |
| |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:27 am | |
| ... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران:97)الحج يعني قصد مكة المكرمة لأداء عبادة الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, ومايتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع, ولو مرة واحدة في العمر, وذلك استجابة لأمر الله, وابتغاء مرضاته, وهو أحد أركان الإسلام الخمسة, وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة, وحق لله علي المستطيعين من عباده ذكورا وإناثا لقوله ـ تعالي ـ:﴿... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًوَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران:97) والحج هو عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين بعد الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله, وذلك لما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ "سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله, قيل ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور ـ أي الذي لا يخالطه إثم" ( أخرجه الإمام أحمد). وأصل( العبادة) الطاعة, و(التعبد) هوالتنسك. والطاعة المبنية علي أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة لا تحتاج إلي تبرير, ولكن إذا عرفت الحكمة من ورائها أداها العبد بإتقان أفضل, وتمتع بأدائها تمتعا أكثر, وكان جزاؤه علي حسن أدائها جزاء أوفر, ومن هنا كان علينا استعراض الحكمة من أداء فريضة الحج التي افترضها الله ـ تعالي ـ علي المستطيعين من عباده في الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال. من مقاصد الحج: لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حكم عديدة منها مايلي: أولا: ـ تعريض كل من حج البيت ـ ولو لمرة واحدة في العمرـ لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة. فالله ـ تعالي ـ خلق كلا من المكان والزمان, وجعلهما أمرين متواصلين, فلا يوجد مكان بلا زمان, ولا زمان بلا مكان, وكما فضل الله بعض الرسل علي بعض, وبعض الأنبياء علي بعض, وبعض أفراد البشر علي بعض فضل ـ سبحانه وتعالي ـ بعض الأزمنة علي بعض, وبعض الأماكن علي بعض. فمن تفضيل الأزمنة جعل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع, وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة, وجعل الليالي العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالي السنة, وجعل أشرفها علي الإطلاق ليلة القدر التي جعلها الله ـ تعالي ـ خيرا من ألف شهر. ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج, ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم, ومن الأيام( بمعني النهار) جعل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ أشرفها العشرة أيام الأولي من شهر ذي الحجة, وجعل أشرفها علي الإطلاق يوم عرفة, وفي ذلك يروي عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: "ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة, فقال رجل: هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله: قال ـ صلي الله عليه وسلم: ـ هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله, ومامن يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله ـ تبارك وتعالي ـ إلي السماء الدنيا, فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلي عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين, جاءوا من كل فج عميق, يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة". ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم. ومن تفضيل الأماكن, فضل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف علي جميع بقاع الأرض, ومن بعدها فضل مدينة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومن بعدها فضل مدينة القدس, كما جاء في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة. فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان, تضاعفت البركات والأجور إن شاء الله. ومن هنا كان من حكم فريضة الحج ـ بالإضافة إلي كونها طاعة للأمر الإلهي ـ أن فيها تعريضا لكل مسلم, بالغ, عاقل, حر مستطيع ـ ذكرا كان أو أنثي ـ ولو لمرة واحدة في العمر ـ لبركة أشرف بقاع الأرض( الحرم المكي الشريف) في بركة أشرف أيام السنة( الأيام العشرة الأولي من ذي الحجة. ومن أقول المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في شرف مكة المكرمة نقتطف مايلي: - "هذا البيت دعامة الإسلام, فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر, كان مضمونا علي الله, إن قبضه أن يدخله الجنة, وإن رده رده بأجر وغنيمة". - " العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". - تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". ثانيا ـ تذكير الحاج بمرحلية الحياة, وبحتمية الرجوع إلي الله تعالي: علي الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله ـ تعالي ـ علي جميع خلقه, والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة, وعلي الرغم من إيماننا ـ نحن معشر المسلمين ـ بحتمية البعث والحساب والجزاء, ثم الخلود في الحياة المقبلة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين ويبقي الموت مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ ويبقي الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه, وإعراضهم عن ذكره, وقلة تفكرهم فيه, وانصرافهم عن العمل له, وانشغالهم بالدنيا حتي أنستهم إياه أو كادت. وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلي خالقهم. ثالثا: تذكير الحاج بحساب الآخرة وبضرورة محاسبة نفسه قبل أن الخروج برحلة الحج, انطلاقا من الأعمال الإجرائية قبل القيام برحلة الحج حيث يجب علي كل حاج أن يحاسب نفسه قبل الخروج برحلة الحج, ومن هذه الأعمال مايلي: 1 ـ التوبة إلي الله ـ تعالي ـ من الذنوب والمعاصي. 2 ـ وصل كل مقطوع من صلات الرحم. 3ـ قضاء الديون, ورد المظالم, وغير ذلك من حقوق العباد لقول رسول صلي الله عليه وسلم ـ: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم, من قبل ألا يكون دينار ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. 4 ـ أن يتعلم إخلاص النية لله ـ تعالي ـ لأن النية بالحج لابد أن تكون خالصة لله, في صدق وتجرد تام عن كل هوي وسمعة. 5 ـ التمسك بالحلال, والتطهر من الحرام بكل أشكاله وصوره والحرص علي أن تكون نفقات الحج من أحل حلال المال. 6 ـ الحرص علي تسديد زكاة المال, والنذور إن وجدت قبل الخروج بالحج. 7 ـ كتابة الوصية وتوضيح جميع الحقوق فيها. وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للحاج تهيئة كاملة لعملية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ والاستعداد لحساب القبر وجزائه, ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر, وتلقي الحساب والجزاء, ثم الخلود في الحياة الآخرة, أما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا. رابعا: التدرب العملي علي مفارقة الحياة الدنيا: 1 ـ غسل الإحرام يذكر الحاج بغسله ميتا وهو لايملك لنفسه شيئا بين أيدي مغسله, والغسل رمز للتطهر من الذنوب والآثام. 2 ـ والإحرام يذكر الحاج بالخروج من الدنيا بلا أدني زينة أو ملك كما يذكره بالكفن الذي سوف يلف فيه جسده بعد تغسيله. 3 ـ والنية عهد بين العبد وربه علي الاستقامة تبعا لمنهج الله ـ تعالي ـ وعلي القيام بأداء عبادة الحج طاعة لأوامره.4 ـ الوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله الذي حدده الله ـ تعالي ـ له وباللحظة التي سوف يفارق فيها الحياة الدنيا. والانتقال من الحل إلي الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا إلي الآخرة عبر الموت, والتلبية نداء إلي الله, واستنجادا برحمته واحتماء بحماه, واعترافا بألوهيته, وربوبيته. ووحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه. 5 ـ والطواف حول الكعبة المشرفة يذكر بضرورة الانتظام مع حركة الكون في خضوعه لأوامر الله ـ تعالي ـ وانصياعه لقوانين هذا الخالق العظيم وسننه, في عبادة وذكر دائمين, كما أن بداية الطواف ونهايته تؤكدان بداية الأجل ونهايته, والرمل والاضطباع في طواف القدوم إحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم. 6 ـ والصلاة في مقام إبراهيم تذكر بجهاد الأنبياء والمرسلين, وبمقام الصالحين عند رب العالمين. 7 ـ والشرب من ماء زمزم يؤكد قدرة رب العالمين التي لا حدود لها, ولا عائق يقف في سبيلها من أجل إكرام عباده الصالحين. 8 ـ والسعي بين الصفا والمروة يذكر بأم إسماعيل ـ عليها وعليه من الله السلام ـ وهي تركض بين هاتين التلتين في لهفة واستغاثة, بحثا عن الماء لصغيرها, ونتيجة لإخلاصها. ولثقتها العميقة بربها أكرمها الله ـ تعالي ـ بجبريل يضرب أرض مكة المكرمة بجناحه, أو بعقبه فيفجر ماء زمزم من صخور مصمطة لا مسامية لها, وتظل هذه البئر المباركة تفيض لقرابة أربعة آلاف سنة. 9 ـ والنفرة إلي مني ثم إلي عرفات تذكر بيوم البعث في زحامه وشدته. 10 ـ والوقوف بعرفات يذكر بالحشر وبالعرض الأكبر بين يدي الله ـ تعالي ـ وبالحساب. 11 ـ والمبيت بالمزدلفة يذكر بآلاف الأنبياء ومئات المرسلين الذين حجوا من قبل, والذين نزلوا بهذا المنزل, تأكيدا علي وحدة الدين, وعلي الأخوة بين أنبياء رب العالمين, وإحياء لسنة خاتم النبيين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين. 12 ـ والنحر والحلق أو التقصير يذكران بفداء الله لنبيه إسماعيل, إكراما لطاعته وطاعة أبيه إبراهيم ـ عليهما السلام ـ لأوامر رب العالمين, وإحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين, ورمزا للتطهير من الذنوب والآثام. 13 ـ ورمي الجمار تأكيد علي حتمية انتصار العبد المؤمن علي الشيطان في وساوسه, ونفثه وإغراءاته, والرجم رمز لذلك الانتصار, وعهد مع الله ـ تعالي ـ علي تحقيقه. 14 ـ والتحلل من الإحرام وطواف كل من الإفاضة والوداع رمز لانتهاء هذه الشعيرة العظمي, وعودة إلي دوامة الحياة الدنيا من جديد بذنب مغفور, وعمل صالح مقبول, وتجارة مع الله ـ تعالي ـ لن تبور إن شاء الله رب العالمين. من هنا كان واجب الحج بمجرد إتمام حجه أن يبدأ مع ربه صفحة جديدة, إطارها الفهم الصحيح لرسالة الإنسان في هذه الحياة: عبدا لله يعبده ـ سبحانه وتعالي ـ بما أمر, ويجاهد بصدق من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها, وإقامة دين الله وعدله علي سطحها, والدعوة إلي هذا الدين بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي من أجل انقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من عذاب الجحيم. 15 ـ وجموع الحجاج( من كل عرق ولون وجنس ولغة) يتحركون في موكب واحد لأداء هذه الفريضة الكبري, تأكيدا علي وحدة الجنس البشري المنبثق من أب واحد وأم واحدة, هما آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام ـ وتأكيدا علي وحدة رسالة السماء ـ وهي الإسلام العظيم ـ وعلي الإخوة بين الأنبياء وعلي وحدانية رب السموات والأرض( بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد) لأن الخالق منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله. خامسا: شهود العديد من المنافع اثناء أداء شعيرة الحج: والمنافع التي يشهدها حجاج بيت الله الحرام كثيرة جدا لو احسن المسلمون الاستفادة بهذه العبادات المباركة التي تتم في ابرك بقاع الأرض, عند أول بيت وضع للناس, وفي أفضل أيام السنة علي الإطلاق ــ وهي العشر الأوائل من ذي الحجة ــ وهذه الفوائد تشمل الفوائد الدينية والدنيوية علي حد سواء. سادسا: الاستفادة بهذا المؤتمر الدولي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين خاصة وقضايا الإنسانية عامة: فالحج أول صورة من صور المؤتمرات الدولية, وهو مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض, يجدون فيه توحدهم في عبادة إله واحد,( لاشريك له في ملكه, ولا منازع له في سلطانه, ولا شبيه له من خلقه).
عدل سابقا من قبل نبيلة محمود خليل في السبت سبتمبر 17, 2011 3:48 am عدل 1 مرات | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:28 am | |
| هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم سورة البقرة, وهي سورة مدنية وآياتها مئتان وستة وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي تلك المعجزة التي أجراها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي يدي عبده ونبيه موسي ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ حين تعرض شخص من قومه للقتل ولم يعرف قاتله, فأوحي الله ـ تعالي ـ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا جسد الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله, ويخبر عن قاتله ثم يموت, وذلك إحقاقا للحق, ودليلا ماديا علي أن الله ـ تعالي ـ قادر علي أن يحيي الموتي, وكانت قضية البعث بعد الموت هي حجة الكافرين والمتشككين عبر التاريخ. ويدور المحور الرئيسي لسورة البقرة حول عدد من التشريعات الإسلامية في العبادات, والأخلاق, والمعاملات, وإن لم تغفل الإشارة إلي عدد من ركائز العقيدة, وإلي عدد من صفات كل من المؤمنين, والمنافقين, والكافرين, كما أشارت إلي قصة الخلق الأول ممثلا في أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ, وإلي عدد من أنبياء الله ورسله, ودعت الناس كافة إلي عبادة الله ـ تعالي ـ وحده وإلي الإيمان به وبملائكته, وكتبه ورسله, وبختام ذلك كله: القرآن الكريم, وسيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين; كما تناولت سورة البقرة أهل الكتاب بتفصيل وصل إلي أكثر من ثلث مجموع آياتها, وختمت بإقرار حقيقة الإيمان, وبدعاء إلي الله ـ تعالي ـ يهز القلب والعقل والروح معا, ويرجع النفس إلي بارئها. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة, وما جاء فيها من تشريع, وعقائد, وعبادات, وأخلاق, وقصص, وإشارات كونية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز التشريعي في تحريم الربا بمختلف صوره وأشكاله ومقاديره انطلاقا من قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَاوَيُرْبِي الصَّدَقَاتِوَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ (البقرة:276)من أوجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمةأولا: تأكيد قيمة المال في الإسلام: تشير هذه الآية الكريمة إلي أن للمال في الإسلام قيمة كبيرة لأنه الوسيلة الرئيسية في تقويم جهود الناس وأقدار ممتلكاتهم, ومن هنا كان لابد من أن تبقي قيمته ثابتة, وألا يتخذ سلعة بذاته تباع بمثلها ويكون من وراء ذلك مكسب مادي, كي يبقي من العوامل الأساسية في استقرار الأوضاع الاجتماعية للأمم, وفي تقدمها العلمي والتقني, ونجاحها المادي والمعنوي. والإسلام لا يري المال ـ في ذاته ـ غاية مقصودة, ولا هدفا منشودا, يطلب بكل وسيلة ممكنة, سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة, وسواء أضرت بالمصلحة العامة أم لم تضر, بل وضع لكسبه من الضوابط ما صان قيمته. وبالمثل فإن الإسلام لا يقبل إنفاق المال بلا ضوابط طلبا لتحقيق الشهوات, والمتع المادية المجردة من كل غاية. وعلي ذلك فإن جمع المال في الإسلام يجب أن يكون منزها عن كل كسب حرام من مثل الربا, الرشوة, الاحتكار, الاكتناز, النجش( التلاعب بالأسعار), الغش, أكل أموال الناس بالباطل, أكل مال اليتيم, أكل المال العام عن طريق التحايل, التزوير, استغلال النفوذ, الخداع, السمسرة, تطفيف المكيال والميزان, وكثرة الحلف بالباطل, وغير ذلك من الأساليب الضارة بالمجتمع أفرادا وجماعات وأمما, وبقيمه وأخلاقياته. ومن ذلك الغيبة والنميمة, والظلم بمختلف أشكاله وصوره. ولذلك أمر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بتحري الحلال في كل شيء فقال: الحلال بين والحرام بين.... كذلك يري الإسلام أن المال الذي يكتسب بالحلال هو أشرف من أن ينفق علي المتع المادية فقط, وعلي الانصراف الكلي إلي الحياة الدنيا وزينتها, علما بأن الاستمتاع المادي بالطيبات من الرزق في حدود المباح شرعا ليس محرما لأن فيه تقوية للإنسان علي حسن القيام برسالته في هذه الحياة علي الوجه الذي يرتضيه الله ـ تعالي ـ, وفيه العصمة من الوقوع في المحرمات من السلوك, وحينئذ يندفع الإنسان بإيمان راسخ, وعزيمة ماضية إلي تحقيق رسالته في هذه الحياة: عبد الله ـ تعالي ـ يعبده بما أمر, ومستخلفا ناجحا في الأرض يقوم علي عمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها, ولذلك قال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: نعم المال الصالح للعبد الصالح. وانطلاقا من ذلك كله; فإن الإسلام يعتبر المال مال الله ـ سبحانه وتعالي ـ, ويعتبر أصحاب المال مستخلفين فيه, ومن ثم فإن الإسلام يأمر بطلب المال بالطرق المشروعة, ويحرم أكله بالباطل, ويحض علي الإنفاق حسب الطاقة علي ذوي القربي, واليتامي, والمساكين, والعاملين عليها, والمؤلفة قلوبهم, وفي الرقاب, والغارمين, وفي سبيل الله, وابن السبيل, والسائلين, وأصحاب العاهات, والعجزة, واللقطاء, والأرامل, والأحداث الضائعين, والمنكوبين والمكروبين من الخلق أجمعين. كذلك حرم الإسلام كنز الأموال وحذر من البخل, وأمر بتوزيع الإرث, وأقر المساءلة عن أصل المال كما أقر العدالة في توزيع الثروات, وأمن المرافق العامة, وحرم تحديد الأسعار في الأحوال العادية, وعدد طرق الإنفاق في سبيل الله وحض عليها ومنها الزكوات( زكاة المال, زكاة الزروع, زكاة الفطر), ومنها الصدقات, والنذور, والكفارات, والأضاحي, ومنها الوقف( الذري والخيري), والوصية, العارية, والهدية, والهبة, وإغاثة المحتاجين والجوعي خاصة في أحوال الأزمات, وتأسيس الجمعيات الخيرية القائمة علي مختلف الأنشطة النافعة. كذلك حبب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في إنظار المعسر, وفي التجاوز عن غير القادر, فقال: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر, أو يضع عنه.
ثانيا: التأكيد علي حرمة الربا: يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في تحريم الربا: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَاوَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَوَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَوَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِوَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَاوَيُرْبِي الصَّدَقَاتِوَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِوَأَقَامُوا الصَّلاةَوَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْوَلاَخَوْفٌ عَلَيْهِمْوَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَوَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِوَرَسُولِهِوَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَوَلاَتُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍوَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْوَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ ( البقرة:175 ـ281). ويقول ـ عز من قائل ـ: ﴿ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ... ﴾ ( الروم:39). وفي الحديث القدسي يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ثلاثة أنا خصيمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره. وفي ذلك يقول المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: * إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة. * ويقول: مطل الغني( أي تسويفه في سداد ما عليه) ظلم. * ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين. * ويقول: الراشي والمرتشي في النار. * ويقول: من نبت لحمه من سحت( وهو كل ما خبث من المكاسب وحرم) فالنار أولي به. * ويقول: إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلي قل. * ويقول: لعن الله في الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. * ويقول: وإن أربي الربا استطالة المرء في عرض أخيه. والربا هو الزيادة علي أصل المال من غير تبايع, أو هو فضل مال لا يقابله عوض من جهد أو مخاطرة في معاوضة مال بمال, أو هو الزيادة المشروطة علي الدين مقابل الأجل. وللربا صور عديدة منها ربا الأجل( ربا النسيئة), وربا الفضل( ربا الزيادة أوربا التجارة), والأول ينطبق علي فوائد القروض( ولا فرق في ذلك بين عائد ثابت, وعائد محدد بنسبة مئوية من أصل القرض, ولا بين مبلغ مقطوع يدفع مقدما أو عند حلول الأجل, أو في صورة هدية مشروطة, أو منفعة مفروضة, أو خدمة, ولا يتم القرض إلا بأدائها), ولذلك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من شفع لأخيه شفاعة, فأهدي له هدية, فقبلها فقد أتي بابا عظيما من الربا. أما ربا الفضل فيتم في شراء وبيع السلع يدا بيد في غير تكافؤ كامل وعادل, لأن أي زيادة في ذلك هي من ربا الفضل ويعرف بكل زيادة لم يقابلها عوض, وتحريم هذا الربا يقصد به تحقيق العدالة الكاملة في جميع المعاملات, وإزالة كافة أشكال الاستغلال فيها. من هنا قرر الإسلام العظيم تحريم الربا بكل أشكاله وألوانه وصوره, ومقاديره, ومبرراته إلا في حالة واحدة, هي الوشوك علي الهلاك جوعا, الذي فسره رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بقوله: أن يجيء الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله. وتحريم الربا فيه حماية للقطاع الغالب من الأمة أصحاب الدخول المحدودة من العمال, والموظفين, والأيتام, والأرامل, والمحالين إلي التقاعد, لأن الربا هو السبب في استعار الأسعار الذي يكتوي بناره أصحاب الدخول المحدودة الذين يمثلون القطاع الأكبر في المجتمعات الإنسانية. ثالثا: انتشار الربا في العالم مخالفة لأوامر الله ـ تعالي ـ: انطلاقا من إيماننا بوحدانية الله ـ تعالي ـ فإننا نؤمن بوحدة رسالة السماء, وبالأخوة بين الأنبياء, وبين الناس جميعا, ومما يؤكد علي هذه الحقيقة أن علم مقارنة الأديان يثبت أن الربا كان محرما في جميع الشرائع السماوية كما هو محرم في الإسلام, وأن إشاعته بين الناس كان من وساوس شياطين الإنس والجن, الذين أشاعوه في الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين، وحمل وزر إشاعته اليهود، على الرغم من نهيهم عنه نهيا قاطعاً واعتداه العرب في جاهليتهم تأثرا باليهود، ثم جاء الإسلام العظيم بتحريمه تحريما مغلظا باعتباره من السبع الموبقات المهلكات، فحرمه المسلمون، وبقى الربا محرما إلى النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، وان مارسه اليهود خلسة، ثم بدأت إباحته في الغرب في حدود سنة (1593م )، وحمل اليهود لواء الدعوة إليه حتى تبنته الثورة الفرنسية وجعلته مبدءا رسميا للدولة في سنة 1789م ، ومن ثم انتشر الربا انتشار النار في الهشيم في كافة دول العالم غير الإسلامي، ثم فرضته القوى الغاشمة على جميع الدول المسلمة بالقوة، وعلى الرغم من ذلك بقيت الشعوب المسلمة- في غالبيتها الساحقة- رافضة فكرة البنوك والمؤسسات الربوية، إلا أن هذا الرفض أخذ في التضاؤل تحت ضغط حملات الذين تغربوا من أبناء الأمة، والذين مكنهم الاستعمار من مراكز اتخاذ القرار في بلاد المسلمين، حتى شاع فيها الربا وعمت البلوى، واعتبرت القوى المعادية ذلك انتصارا لها. وأصبحت الدول المسلمة -حكومات، وبنوكا، وشركات، ومؤسسات وأفرادا -تتعامل فيما بينها بالربا فعم البلاء، واستعر الغلاء، ونزعت البركة من كل شيء، وحل القحط، وكثرت الكوارث والنكبات، وتحللت الأخلاق، وتردت السلوكيات، وساءت المعاملات، وضاعت كل القيم النبيلة، وحل محلها النصب والاحتيال، والتزوير والغش، ومختلف صور الكسب الحرام عند غالبية الناس إلا من رحم ربك، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، " ليأتِينّ على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره أو من غباره ". ومن كوارث الربا التي حلت بنا في مصر فوائد ديون الدولة إلى الحد الذي أعجزها عن دفع تلك الفوائد المتراكمة عليها بالربا، التي تضاعفت أضعافا كثيرة، وكان ذلك أحد مبررات الاحتلال البريطاني الذي دمر كل شيء في مصرنا الحبيبة، وفى غيرها من ديار المسلمين، فأفسد البلاد، وأذل العباد مسبب في غالبية الكوارث والفتن التي لا نزال نعانى منها إلى اليوم. وصدق رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حين حذرنا من هذا الواقع الحزين بقوله الشريف: لئن تركتم الجهاد, وأخذتم بأذناب البقر, وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتي تتوبوا إلي الله وترجعوا إلي ما كنتم عليه. ولكن من رحمة الله ـ تعالي ـ أن أبقي طائفة من المؤمنين الرافضين للتعامل بالربا, الذين ظلوا يدافعون عن النظم الاقتصادية الإسلامية حتي شاء الله أن تقوم أعداد من المؤسسات المالية الإسلامية, فاقت أعدادها المئات في مختلف أنحاء العالم, وأثبتت نجاحها, علي الرغم من الحرب الضارية التي شنت عليها من المتغربين من أبناء المسلمين قبل المعادين من غير المسلمين. كل ذلك يشرح ومضة للإعجاز التشريعي في تحريم الربا, الذي يجسده قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم( البقرة:276).
عدل سابقا من قبل نبيلة محمود خليل في السبت سبتمبر 17, 2011 3:31 am عدل 1 مرات | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 3:30 am | |
| وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ّ﴾ (الفجر:1-4) هذه الآيات القرآنية الأربع جاءت في مطلع سورة الفجر, وهي سورة مكية, وآياتها ثلاثون(30) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالقسم بالفجر( وقتا وصلاة), ويدور المحور الرئيسي لهذه السورة المباركة حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية, وأشارت سورة الفجر كذلك إلي عدد من صور العقاب الذي نال أمما سابقة كانت قد كفرت بأنعم ربها فعاقبها الله ـ تعالي ـ جزاء كفرها, كما ألمحت إلي بعض الأحداث المصاحبة ليوم القيامة, وإلي ما سوف يتبعه من بعث, وحشر, وحساب, وجزاء, وخلود إما في الجنة أو في النار, واستعرضت السورة عددا من طبائع النفس الإنسانية في كل من حالات الرخاء والشدة, واستنكرت عددا من أمراض تلك النفوس التي قد تكون سببا في خسرانهم في الدنيا والآخرة, وأوضحت أن من سنن الله ـ تعالي ـ في خلقه سنة الابتلاء بالخير والشر فتنة. وتبدأ هذه السورة المباركة بقسم من الله ـ تعالي ـ بالفجر, وهو ـ زمانا ـ يمثل الفترة التي يبزغ فيها أول خيط من الشفق الصباحي علي جزء من سطح الأرض, فيعمل ذلك علي محو ظلمة الليل بالتدريج حتي شروق الشمس, ويبدأ الفجر الصادق عندما يكون الجزء من سطح الأرض الذي يبدأ عنده هذا الوقت في وضع بالنسبة إلي الشمس تكون فيه وكأنها علي بعد18,5 درجة تحت الأفق, وتظل الشمس ترتفع في حركتها الظاهرية حول الأرض( والتي تتم بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس) إلي أن تظهر الحافة العليا للشمس عند الأفق فتشرق الشمس, وأول ما يصل إلي الأرض من الجزء المرئي من ضوء الشمس هو الطيف الأحمر, وتليه بقية ألوان الطيف المرئي بالتدريج حتي يري نور النهار ببياضه المعهود. ووقت صلاة الصبح هو من طلوع الفجر الصادق من جهة الشرق, وانتشاره بالتدريج حتي يعم الأفق. وظاهرة الفجر تدور مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها أمام الشمس, فتنتقل من منطقة إلي أخري بانتظام حتي تمسح سطح الأرض كله بالتدريج. ووقت الفجر يصاحب عادة بقدر من الصفاء والنقاء البيئي الذي قد لايتوافر لأي وقت آخر من أوقات اليوم, ولذلك فإنه يتميز بالنداوة, والرقة, والهدوء والسكينة, وينعكس ذلك علي الإنسان وعلي غيره من مختلف الخلائق, ومن هنا كان القسم الإلهي بالفجر, والله ـ تعالي ـ غني عن القسم لعباده. ويلي القسم بالفجر قسم آخر يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ وليالي عشر وهي الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وفيها ليلة القدر التي أنزل الله ـ تعالي ـ القرآن الكريم فيها,ولذلك يصفها بأنها ليلة مباركة( الدخان:3) وبأنها خير من ألف شهر[ القدر:1-5] ووصفها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بقوله الشريف:" ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم, وقوله: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه[ البخاري]. وكان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يجتهد في العشر الاواخر من رمضان ما لا يجتهد في سواها, وسن لنا سنة الاعتكاف فيها, فكان يعتكف فيها حتي توفاه الله ـ تعالي ـ ثم اعتكف أزواجه وصحابته من بعده. ويأتي في مقابلة الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة وفيها يوم عرفة الذي وصفه الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بقوله: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة, وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال في الأيام العشر الأولي من ذي الحجة ما نصه: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله ـ عز وجل ـ من هذه الأيام قالوا: يارسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشئ من ذلك.وعن أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنها قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: صيام عاشوراء, والعشر من ذي الحجة, وثلاثة أيام من كل شهر, والركعتين قبل الغداة.
من كل ما سبق يتضح لنا أن الله ـ تعالي ـ قد خص الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك بأن جعلها أشرف عشرة ليالي في السنة, وجعل أشرفها علي الإطلاق ليلة القدر, كما جعل أشرف عشرة ايام( بمعني النهار) هي الأيام العشرة الأولي من ذي الحجة, وجعل أشرفها علي الإطلاق هو يوم عرفة, ولما كان الوقوف بعرفات ينتهي مع غروب الشمس كان المقصود بالأيام العشرة الأولي من ذي الحجة هو نهار هذه الأيام, والعبادة فيها مركزة بالنهار بدليل أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يصومها في غير أداء لفريضة الحج, ولذلك استحب أهل العلم صوم يوم عرفة إلا بعرفة( أي لغير الحاج).
من هنا كان الاستنتاج الصحيح بأن المقصود بالقسم في سورة الفجر بالليالي العشر هي الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك, وليست الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة أو من شهر المحرم كما رأي بعض المفسرين. وجاء بعد ذلك قسم ثالث( بالشفع والوتر), والشفع هو الزوج, والوتر هو الفرد من كل شيء, وقيل إن المقصود بذلك هو الصلاة, ومنها الصلاة الثنائية والرباعية( الشفع), ومنها صلاة المغرب وختام الصلاة في آخر الليل( الوتر), وقد يكون المقصود بالقسم الإشارة إلي خلق كل شيء في زوجية كاملة( من اللبنات الأولية للمادة الي الانسان) وتفرد الله ـ تعالي ـ بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. ويأتي بعد ذلك القسم الرابع الذي يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ والليل إذا يسر) وأصل( السري) هو السير بالليل, وإسناد ذلك الفعل إلي الليل قد يكون من المجاز بمعني( الليل الذي يسري فيه), وحذفت ياء الفعل( يسري) من قبيل التخفيف وصلا ووقفا. وقد لا يكون ذلك مجازا حيث يشير القسم إلي حركة ظلام الليل علي سطح الأرض مما يحقق تعاقب كل من الليل والنهار علي سطح الكرة الأرضية بسبب كرويتها, ودورانها حول محورها أمام الشمس, ومن ثم تنتقل ظلمة ليل الأرض من جزء إلي جزء آخر من سطحها كان يعمه نور النهار, وهذه هي حركة ظلام الليل في زمن الليل( أو سري الليل), وتعاقب الليل والنهار علي سطح الأرض هو من ضرورات جعلها صالحة للعمران, ومن هنا كان القسم الإلهي بالليل إذا يسر. وبعد القسم بهذه الآيات الأربع, وبما لكل منها من قيمة كبري في انتظام حركة الحياة علي الأرض جاء السؤال التقريري:﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴾ أي لذي لب وعقل وبصيرة, والمشار إليه باسم الإشارة بهذا الاسم من أسماء الإشارة( ذلك) في الآية الكريمة هي الأمور الأربعة المقسم بها, وجواب القسم محذوف, وتقديره أن الله ـ تعالي ـ بالمرصاد لكل كافر ومشرك وظالم, ولكل متجبر علي الخلق ومفسد في الأرض, وليعذبن كل واحد منهم بما يستحق, ودلالة ذلك الاستنتاج هو المتابعة في الاستشهاد بمصارع كل من عاد وثمود وآل فرعون, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ *إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلادِ *وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ *فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ *فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ *إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ (الفجر:6 ـ14). ثم انتقلت الآيات في سورة الفجر الي وصف شيء من طبائع النفس الإنسانية في حالات السعة والضيق في الرزق, وما فيها من ابتلاء للعباد, وتذكر ان العبد الصالح يشكر النعمة, ويصبر علي المحنة, والطالح تبطره النعمة, وتضجره المحنة لأنه يري في الأولي تكريما لشخصه فيصيبه شيء من الغرور والكبر ويري في الثانية إهانة لكرامته فيصيبه الكثير من الهم والحزن, وترد الآيات بأن العبد الذي لايرضي بقضاء ربه هو مخلوق أناني, لا يفكر إلا في ذاته, فلا يكترث بإكرام اليتيم, ولا بالتحاض علي إطعام المسكين, وجل همه النهم الشديد في اقتسام الميراث, والحب الجم للمال أيا كان مصدره من حلال أو حرام, وهنا تذكر الآيات بالقيامة وأهوالها, ومنها دك الأرض دكا شديدا, إشارة إلي تدمير الكون الحالي كله, ثم إعادة خلق أرض غير أرضنا, وسماوات غير السماوات المحيطة بنا, ومن هذه الأرض الجديدة التي سوف تحتوي كل الأرض القديمة, سيبعث الخلائق, ويعرضون أمام ربهم ـ لا تخفي منهم خافية ـ والملائكة مصفوفون بين يدي الله ـ تعالي ـ, ثم يؤتي بجهنم في هذا الموقف العصيب, موقف الحساب الذي يتقرر فيه مصير كل فرد من الخلق إما بالخلود في الجنة أبدا , أو في النار أبدا وحينئذ يتذكر الانسان ما فرط فيه في حياته الدنيا ويتمني لو أنه كان قد قدم شيئا ينفعه في هذا الموقف من حياته الآخرة, وفي حياته الآخرة, فيندم أشد الندم ساعة لاينفع الندم, ولا تجدي الحسرات!! وفي ذلك تقول الآيات: ﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ *وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّماً * وَتُحِبُّونَ المَالَ حُباًّ جَماًّ *كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكاًّ دَكاًّ *وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾( الفجر:15 ـ24). وبعد ذلك تصف الآيتان(26,25) من سورة الفجر هول عذاب الله ـ تعالي ـ للكفار والمشركين, وللطغاة المتجبرين علي الخلق والمفسدين في الأرض فتقولان:﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [ الفجر:25 ـ26]. والضمير في كل من الكلمتين( عذابه) و(وثاقه) إذا نسب الي الله ـ تعالي ـ كان من معاني الآيتين الكريمتين أن أحدا لا يعذب كعذاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ للكفار والمشركين, ولا يوثق كوثاقه لهم, وإذا نسب الضمير للمعذبين فهمت الآيتان علي أن أحدا من الخلق لا يعذب في الدنيا كعذاب الكافر والمشرك في الآخرة, ولا يمكن ان يشد وثاقه في الدنيا كما سيشد في الآخرة, تهويلا للأمر وتفزيعا للعصاة المتجبرين علي الخلق. وفي المقابل يسمع نداء الحق ـ تبارك وتعالي ـ علي أصحاب النفوس الساكنة, المطمئنة بالإيمان بربها, وباليقين بما وعدها من نعيم الآخرة فتختم هذه السورة المباركة بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [ الفجر:27 ـ30].من ركائز العقيدة في سورة الفجر: 1 ـ الإيمان بالله ـ تعالي ـ ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, واليقين بأنه ـ تعالي ـ يحصي عمل كل انسان إحصاء دقيقا, ويجازيه عليه جزاء عادلا. 2 ـ التصديق بكل ما جاء بالقرآن الكريم, ومن ضمن ذلك ما أخبر به من عقاب عدد من الأمم البائدة, جزاء كفرها أو شركها, أو مظالمها وتجبرها علي الخلق, وإفسادها في الأرض, وكان من هذه الأمم أقوام كل من عاد وثمود وفرعون, وجاء ذكرها للاعتبار بما حدث لها. 3 ـ التسليم بقضاء الله وقدره تسليما كاملا, والرضا به, وذلك لأن النفوس غير المؤمنة بالله ـ تعالي ـ يركبها الغرور إذا ابتليت بشيء من السعة في الرزق, وتسول لأصحابها انهم قد أوتوا ذلك عن جدارة شخصية, واستحقاق ذاتي, وتنسيهم أن ذلك من أفضال الله ـ تعالي ـ عليهم التي تستوجب الشكر, وإذا ابتليت بشيء من الضيق في الرزق سولت لأصحابها أن ذلك من قبيل الإهانة لها, وليست ابتلاء واختبارا للصبر أو للجزع. 4 ـ اليقين بحتمية القيامة وأهوالها وما فيها من تدمير كامل للكون, وبحتمية كل من البعث بعد هذا التدمير, والحشر, والحساب, والجزاء, وبحقيقة الخلود في الجنة أو في النار. 5ـ التسليم بأن ما جاء في الآية الكريمة رقم(23) من هذه السورة المباركة هو من آيات الصفات الخاصة بجلالة الله ـ تعالي ـ والتي يجب الإيمان بها كما جاءت من غير تشبيه, ولا تكييف ولا تمثيل, ولا تأويل, ولا تعطيل. 6ـ الإيمان بعالم الملائكة, وأنهم خلق من نور, مفطورون علي طاعة الله ـ تعالي ـ وعبادته, وتسبيحه, وحمده, وشكره بلا انقطاع. 7ـ التصديق بأن عذاب الله ـ تعالي ـ للكفار والمشركين, وللعصاة الظالمين, المفسدين في الأرض, والمتجبرين علي الخلق, وشد وثاق كل منهم في الآخرة لا يدانيه عذاب آخر. 8ـ الإيمان بالمناداة علي الصالحين من خلق الله ـ تعالي ـ في يوم القيامة للدخول في زمر عباد الله الصالحين إلي جنات النعيم.من ركائز العبادة في سورة الفجر: 1ـ ضرورة المحافظة علي الصلوات الخمس وعلي صلاة الفجر علي وجه الخصوص( الصلاة الوسطي). 2ـ الاجتهاد في العبادة خاصة في الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك( وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر). 3ـ الحرص علي إكرام اليتيم, والحض علي طعام المسكين. 4ـ تحريم الظلم بصفة عامة, والظلم في توزيع المواريث بصفة خاصة حيث قد يصاحب بحرمان أحد المستحقين من حقه, أو بالجور علي نصيبه, والتحذير من أكل المال الحرام في جميع المعاملات المالية. 5ـ ضرورة الاجتهاد في الدنيا من أجل النجاة في الآخرة. من الإشارات العلمية والتاريخية في سورة الفجر: 1ـ القسم بكل من الفجر( وقتا وصلاة) وبالليالي العشر الأواخر من رمضان, وبالشفع والوتر أي الزوجية والإفراد في الصلاة وفي غيرها من العبادات أو علي الإطلاق, وبسير الليل أي بزحفه علي سطح الأرض ليتحقق بذلك تبادل الليل والنهار وهو من ضرورات استقامة الحياة علي الأرض. 2ـ التأكيد علي احترام العقل الذي يضبط النفس ويحكم السلوك. 3ـ ذكر عدد من الأقوام البائدة( من مثل أقوام كل من عاد وثمود وآل فرعون) وذلك بشيء من دقائق أوصافهم, وطرائق إبادتهم بظلمهم, والكشوف الآثارية الحديثة تؤكد صدق ذلك كله. 4ـ التأكيد علي أن للكون مرجعية في خارجه إشارة إلي الخالق( سبحانه وتعالي). 5ـ الإشارة إلي شيء من طبائع النفس الإنسانية. 6ـ الجزم بحتمية تدمير الكون.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم إن شاء الله ـ تعالي ـ علي القسم بالأشياء الواردة في النقطة الأولي من القائمة السابقة فقط.الجزء الثانى من المقال فى المقطع الثانى | |
| | | نبيلة محمود خليل Admin
عدد المساهمات : 884 تاريخ التسجيل : 20/08/2010
| موضوع: رد: الأعجاز التشريعى السبت سبتمبر 17, 2011 4:26 am | |
| ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183)من الإعجاز التشريعي في قوله تعالى في ختام هذه الآية القرآنية الكريمة:﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة:183) ما يلي :- (1) الصيام عبادة من أخلص العبادات لله ـ تعالي ـ ولذلك فهي تؤدي إلي تقواه, وفى ذلك يقول المصطفي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربنا ـ عز وجل ـ : " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " (البخاري ومسلم). ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " (مسلم). وقال : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " (البخاري ومسلم). وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبشر أصحابه بمقدم رمضان فيقول : " قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " (مسند الإمام أحمد) . ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " (مسلم). وقال أيضا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلا رُخْصَةٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ " (مسند الإمام أحمد) . (2) أن الصيام يصحبه الاجتهاد في العبادة بصفة عامة, والاجتهاد فيها يعين علي تقوى الله ـ تعالى ـ فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أعبد الخلق لله ـ تعالى ـ كان يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره, وفي العشر الأواخر منه مالا يجتهد في غيرها, كما روت لنا أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ التي روي عنها قولها : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " (البخاري ومسلم).وعنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه قال : " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " (البخاري ومسلم). , ولذلك سن لنا نبينا الكريم كلا من صلاة التراويح وصلاة القيام. (3) إن من أجل العبادات في شهر رمضان مدارسة القرآن الكريم لأنه هو شهر القرآن الذي يقول فيه ربنا-تبارك وتعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ (البقرة:185). ويقول-عز من قائل : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (الدخان:3-6). ومدارسة القرآن الكريم من أعظم الوسائل لتحقيق تقوى الله في قلوب العباد لأنها توضح للدارسين معنى الألوهية, ومعنى الربوبية, ومعنى الوحدانية المطلقة للخالق العظيم فوق جميع الخلق ( بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد) وتنزيهه -سبحانه وتعالى- عن جميع صفات خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله؛ كما تؤكد علي ركائز الدين( من العقيدة, والعبادة, والأخلاق, والمعاملات) وتربط العبد بخالقه برباط لا ينفصم إن شاء الله, وهذا الرباط المتين هو السر في تقوى العبد لربه –سبحانه وتعالى- وقد لخصها علماؤنا بالقول السديد في أن التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.(4) ومن أجل العبادات في شهر رمضان صلاة القيام خاصة في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل, وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كما قال ربنا -تبارك وتعالى- :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْر ﴾.(القدر:1-5). وقيام ليلة القدر فيه من الخيرات والبركات ما يشرح قلوب المؤمنين بحب الله-تعالى- ويعينها علي الارتباط بجلاله, وحسن مراقبته، ومعرفة شيء من صفاته العليا وذلك من أعظم الوسائل إلي تقوى الله . ومن المعين على تحقيق ذلك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, وهي سنة واظب عليها رسول الله-صلي الله عليه وسلم – طيلة حياته الشريفة. (5)الدعاء هو مخل العبادة، وهو أعظم صور التعبير عن الخضوع لله وتقواه، والدعاء في رمضان أحرى بالإجابة من أي وقت آخر, وذلك لقول المصطفي-صلي الله عليه وسلم ــ : " إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ " (ابن ماجه) . ولقوله : " ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ "(الترمذي). (6) ومن أجل العبادات العمرة في رمضان لأنها تعدل حجة مع رسول الله-صلي الله عليه وسلم- فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ قَالَتْ أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي " (البخاري). ولعل من مبررات ذلك أنه إذا اجتمعت كرامة المكان (مكة المكرمة) مع كرامة الزمان ( في شهر رمضان) تضاعف الأجر إن شاء الله-تعالى-أضعافا كثيرة, ومن مضاعفة الأجر تحقيق التقوى في قلوب العباد. (7) ومع أداء كل هذه العبادات في شهر رمضان يتدرب العبد المسلم على الصبر, وعلى الالتزام بمكارم الأخلاق, وعلى قوة الإرادة حتى يتمكن من التحكم في شهواته ورغائبه, فيعلو بروحه فوق جسده, وفوق إغراءات الحياة الدنيا, وينأى بنفسه عن مواطن الشبهات, وينجيها من الوقوع في المحرمات, وهذه كلها من وسائل تحقيق تقوى الله-تعالي. ومن أقوال رسول الله-صلي الله عليه وسلم-في ذلك : " الصوم نصف الصبر، والصبر من منازل المؤمنين بالله المتقين لجلاله ". " وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ " (البخاري) . " ليس الصيام من الأكل والشرب, إنما الصيام من اللغو والرفث "، " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " (البخاري) .( ومن نتائج الصوم : التدريب علي كل من شكر النعم, والجود والكرم, وعلي الإحساس بحاجة كل من الفقير والمسكين وابن السبيل، مما يحقق قدرا من التراحم بين المسلمين, ويعين علي محاربة كل من الحقد والحسد والجريمة في المجتمع. كما يعين وعلى اقتلاع نوازع الشح والبخل في النفس الإنسانية وفي ذلك يروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قوله : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " (البخاري) .وقال-صلي الله عليه وسلم -:" الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ " (الترمذي). وسئل-صلوات الله وسلامه عليه- : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ "صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ " (الترمذي). وقال-صلوات الله وسلامه عليه -: " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " (الترمذي). (9) ومن أعظم صور الجود: الجود بالنفس في سبيل الله, وهو من أجمل صور تقوى الله, وشهر رمضان هو شهر الجهاد في سبيل الله, وشهر الانتصارات الإسلامية بدءا بغزوة بدر الكبرى إلى فتح مكة, ثم فتح كل من رودس, وبلاد الأندلس, وتحرير فلسطين من أيدي الصليبيين في موقعة حطين, ثم من أيدي التتار في موقعة عين جالوت، حتى اجتياح خط بارليف وسحق جيش الصهاينة المعتدين وذلك في العاشر من رمضان سنة1393 هـ (السادس من أكتوبر سنة1973م). ولا توجد صورة من صور التعبير البشري لمعنى تقوى الله أبلغ من الجهاد في سبيل الله لتحرير أراضي المسلمين من همجية الطغاة المعتدين الظالمين, أو للوصول إلى خلق الله من أجل إبلاغهم بدين الله إذا رفض الحكام تحقيق ذلك بالأساليب السلمية. من هذا الاستعراض نرى صورة من صور الإعجاز الإنبائي وذلك لثبوت أن الصيام كان مفروضا على الأمم من قبلنا كما فرص علينا تمام. كذلك نرى صورة من صور الإعجاز التشريعي في قول ربنا-تبارك وتعالى ــ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (البقرة:183). فالحمد لله على نعمة الإسلام, والحمد لله على نعمة القرآن, والحمد لله على بعثة خير الأنام -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . | |
| | | | الأعجاز التشريعى | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |